ودخول الفاء على الخبر وهو (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) لتضمين الموصول معنى الشرط من جهة أنّه جاء كالجواب عن سؤال السائل ، فكأنّه قيل : وأمّا الذين آمنوا من بعد وهاجروا إلخ ، أي : مهما يكن من حال الذين آمنوا ولم يهاجروا ، ومن حال الذين آمنوا وهاجروا والذين آووا ونصروا ، ف (الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) وبذلك صار فعل (آمَنُوا) تمهيدا لما بعده من (هاجَرُوا وَجاهَدُوا) لأن قوله : (مِنْ بَعْدُ) قرينة على أنّ المراد : إذا حصل منهم ما لم يكن حاصلا في وقت نزول الآيات السابقة ، ليكون أصحاب هذه الصلة قسما مغايرا للأقسام السابقة. فليس المعنى أنّهم آمنوا من بعد نزول هذه الآية ، لأنّ الذين لم يكونوا مؤمنين ثم يؤمنون من بعد لا حاجة إلى بيان حكم الاعتداد بإيمانهم ، فإنّ من المعلوم أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، وإنّما المقصود : بيان أنّهم إن تداركوا أمرهم بأن هاجروا قبلوا وصاروا من المؤمنين المهاجرين ، فيتعيّن أنّ المضاف إليه المحذوف الذي يشير إليه بناء (بَعْدُ) على الضمّ أن تقديره : من بعد ما قلناه في الآيات السابقة ، وإلّا صار هذا الكلام إعادة لبعض ما تقدّم ، وبذلك تسقط الاحتمالات التي تردّد فيها بعض المفسّرين في تقدير ما أضيف إليه (بعد).
وفي قوله : (مَعَكُمْ) إيذان بأنّهم دون المخاطبين الذين لم يستقرّوا بدار الكفر بعد أن هاجر منها المؤمنون ، وأنّهم فرطوا في الجهاد مدة.
والإتيان باسم الإشارة للذين آمنوا من بعد وهاجروا ، دون الضمير ، للاعتناء بالخبر وتمييزهم بذلك الحكم.
و «من» في قوله : (مِنْكُمْ) تبعيضية ، ويعتبر الضمير المجرور بمن ، جماعة المهاجرين أي فقد صاروا منكم ، أي من جماعتكم وبذلك يعلم أنّ ولايتهم للمسلمين.
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
قال جمهور المفسّرين قوله : (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) أي مثلكم في النصر والموالاة ، قال مالك : إنّ الآية ليست في المواريث ، وقال أبو بكر بن العربي : قوله : (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) «يعني في الموالاة والميراث على اختلاف الأقوال ، أي اختلاف القائلين في أنّ المهاجر يرث الأنصاري والعكس ، وهو قول فرقة. وقالوا : إنّها نسخت بآية المواريث.
عطف جملة على جملة فلا يقتضي اتّحادا بين المعطوفة والمعطوف عليها ، ولكن وقوع هذه الآية بإثر التقاسيم يؤذن بأنّ لها حظّا في إتمام التقسيم ، وقد جعلت في