إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، إنما المؤمنون الذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا. وهكذا فمتى اختلت صفة من هذه الصفات اختل وصف الإيمان عن صاحبها ، فلذلك تعين أن يكون المراد من القصر المبالغة الآئلة إلى معنى قصر الإيمان الكامل على صاحب كل صلة من هذه الصلات ، وعلى صاحب الخبرين ، لظهور أن أصل الإيمان لا يسلب من أحد ذكر الله عنده فلا يجل قلبه ، فإن أدلة قطعية من أصول الدين تنافي هذا الاحتمال فتعين تأويل (الْمُؤْمِنُونَ) [الأنفال : ٢] على إرادة أصحاب الإيمان الكامل.
(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))
جملة مؤكدة لمضمون جملة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) [الأنفال : ٢] إلى آخرها ولذلك فصلت.
وعرف المسند إليه بالإشارة لوقوعه عقب صفات لتدل الإشارة على أنهم أحرياء بالحكم المسند إلى اسم الإشارة من أجل تلك الصفات ، فكان المخبر عنهم قد تميزوا للسامع بتلك الصفات فصاروا بحيث يشار إليهم.
وفي هذه الجملة قصر آخر يشبه القصر الذي قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ)[الأنفال:٢]حيث قصر الإيمان مرة أخرى على أصحاب تلك الصفات ولكنه قرن هنا بما فيه بيان المقصور وهو أنهم المؤمنون الأحقاء بوصف الإيمان.
والحق أصله مصدر حق بمعنى ثبت واستعمل استعمال الأسماء للشيء الثابت الذي لا شك فيه قال تعالى : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) [النساء : ١٢٢].
ويطلق كثيرا ، على الكامل في نوعه ، الذي لا سترة في تحقق ماهية نوعه فيه ، كما يقول أحد لابنه البار به : أنت ابني حقا ، وليس يريد أن غيره من أبنائه ليسوا لرشدة ولكنه يريد أنت بنوتك واضحة آثارها ، ويطلق الحق على الصواب والحكمة فاسم الحق يجمع معنى كمال النوع.
ولكل صيغة قصر : منطوق ومفهوم ، فمنطوقها هنا أن الذين جمعوا ما دلت عليه تلك الصلات هم مؤمنون حقا ، ومفهومها أن من انتفى عنه أحد مدلولات تلك الصلات لم