وهذا التفسير أليق بالتشبيه لتحصل المخالفة المطلقة بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها ، وإلا فإن أمرهم بقتال العدو الكثير العدد ، وهم في قلة ، إرجاء بهم إلى الموت إلا أنه موت مظنون ، وبهذا التفسير يظهر حسن موقع جملة : (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أما المفسرون فتأولوا الموت في الآية بأنه الموت المتيقن فيكون التخالف بين المشبه والمشبه به تخالفا بالتقييد.
وجملة : (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) حال من ضمير (يُساقُونَ) ومفعول (يَنْظُرُونَ) محذوف دل عليه قوله : (إِلَى الْمَوْتِ) أي : وهم ينظرون الموت ، لأن حالة الخوف من الشيء المخوف إذا كان منظورا إليه تكون أشد منها لو كان يعلم أنه يساق إليه ولا يراه ، لأن للحس من التأثير على الإدراك ما ليس لمجرد التعقل ، وقريب من هذا المعنى قول جعفر بن علبة :
يرى غمرات الموت ثم يزورها
وفي عكسه في المسرة قوله تعالى :(وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)[البقرة :٥٠].
[٧ ، ٨] (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨))
الأحسن أن تكون (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ) معطوفا على (كَما أَخْرَجَكَ) [الأنفال : ٥] عطف المفرد على المفرد فيكون المعطوف مشبها به التشبيه المفاد بالكاف والمعنى : كاخراجك الله من بيتك وكوقت يعدكم الله إحدى الطائفتين الآية واسم الزمان إذا أضيف إلى الجملة كانت الجملة في تأويل المفرد فتؤول بمصدر ، والتقدير : وكوقت وعد الله إحدى الطائفتين ، ف (إِذْ) اسم زمان متصرف مجرور بالعطف على مجرور كاف التشبيه ، وجعل صاحب «الكشاف» (إِذْ) مفعولا لفعل (اذكر) محذوف شأن (إِذْ) الواقعة في مفتتح القصص ، فيكون عطف جملة الأمر المقدر على جملة (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ) [الأنفال : ١] والمناسبة هي أن كلا القولين فيه توقيفهم على خطأ رأيهم وأن ما كرهوه هو الخير لهم.
و «الطائفة» الجماعة من الناس ، وتقدم عند قوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) في سورة النساء [١٠٢].