بأنهم لم يتفهموا مراد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، حين استشارهم ، وأخبرهم بأن العير سلكت طريق الساحل فكان ذلك كافيا في أن يعلموا أن الطائفة الموعود بها تمحضت أنها طائفة النفير ، وكان الشأن أن يظنوا بوعد الله أكمل الأحوال ، فلما أراد الله تسكين روعهم ، وعدهم بنصرة الملائكة علما بأنه لا يطمئن قلوبهم إلّا ذلك ، وجعل الفخر : التقديم هنا لمجرد الاهتمام بذلك الوعد ، وذلك من وجوه التقديم لكنه وجّه تأخيره في آل عمران بما هو غير مقبول.
ثالثها : أنه قال في سورة آل عمران [١٢٦] (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فصاغ الصفتين العليتين في صيغة النعت ، وجعلهما في هذه الآية في صيغة الخبر المؤكد ، إذ قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فنزّل المخاطبين منزلة من يتردد في أنه تعالى موصوف بهاتين الصفتين : وهما العزة ، المقتضية أنه إذا وعد بالنصر لم يعجزه شيء ، والحكمة ، فما يصدر من جانبه غوص الإفهام في تبيّن مقتضاه ، فكيف لا يهتدون إلى أن الله لما وعدهم الظفر بإحدى الطائفتين وقد فاتتهم العير أن ذلك آيل إلى الوعد بالظفر بالنفير.
وجملة : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) مستأنفة استينافا ابتدائيا جعلت كالإخبار بما ليس بمعلوم لهم.
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١))
لقد أبدع نظم الآيات في التنقل من قصة إلى أخرى من دلائل عناية الله تعالى برسولهصلىاللهعليهوسلم وبالمؤمنين ، فقرنها ، في قرن زمانها ، وجعل ينتقل من إحداها إلى الأخرى بواسطة إذ الزمانية ، وهذا من أبدع التخلص ، وهو من مبتكرات القرآن فيما أحسب.
ولذلك فالوجه أن يكون هذا الظرف مفعولا فيه لقوله : (وَمَا النَّصْرُ) [الأنفال : ١٠] فإن إغشاءهم النعاس كان من أسباب النصر ، فلا جرم أن يكون وقت حصوله طرفا للنصر.
والغشي والغشيان كون الشيء غاشيا أي غاما ومغطيا ، فالنوم يغطي العقل.
والنعاس النوم غير الثقيل ، وهو مثل السّنة.
وقرأ نافع ، وأبو جعفر : (يُغَشِّيكُمُ) ، بضم التحتية وسكون الغين وتخفيف الشين بعدها ياء مضارع أغشاه وبنصب (النُّعاسَ) والتقدير : إذ يغشيكم الله النعاس ، والنعاس