احتياجهم إلى الماء ، ولعله كان في غير الوقت المعتاد فيه نزول الأمطار في أفقهم ، قال أهل السير : كان المسلمون حين اقتربوا من بدر راموا أن يسبقوا جيش المشركين إلى ماء بدر ، وكان طريقهم دهساء أي رملا لينا ، تسوخ فيه الأرجل فشق عليهم إسراع السير إلى الماء وكانت أرض طريق المشركين ملبدة ، فلما أنزل الله المطر تلبدت الأرض فصار السير أمكن لهم ، واستوحلت الأرض للمشركين فصار السير فيها متعبا ، فأمكن للمسلمين السبق إلى الماء من بدر ونزلوا عليه وادخروا ماء كثيرا من ماء المطر ، وتطهروا وشربوا ، فذلك قوله تعالى: (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ).
و (الرجز) القذر ، والمراد الوسخ الحسي وهو النجس ، والمعنوي المعبر عنه في كتب الفقه بالحدث. والمراد الجنابة ، وذلك هو الذي يعم الجيش كله فلذلك قال : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) ، وإضافته إلى الشيطان لأن غالب الجيش لما ناموا احتلموا فأصبحوا على جنابة وذلك قد يكون خواطر الشيطان يخيلها للنائم ليفسد عليه طهارته بدون اختيار طمعا في تثاقله عن الاغتسال حتى يخرج وقت صلاة الصبح ، ولأن فقدان الماء يلجئهم إلى البقاء في تنجس الثياب والأجساد والنجاسة تلائم طبع الشيطان.
وتقدير المجرور في قوله : (عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) للرعاية على الفاصلة ، لأنها بنيت على مد وحرف بعده في هذه الآيات والتي بعدها مع ما فيه من الاهتمام بهم.
وقوله : (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي يؤمنّكم بكونكم واثقين بوجود الماء لا تخافون عطشا وتثبيت الأقدام هو التمكن من السير في الرمل ، بأن لا تسوخ في ذلك الدهس الأرجل ، لأن هذا المعنى هو المناسب حصوله بالمطر.
و (الربط) حقيقته شد الوثاق على الشيء وهو مجاز في التثبيت وإزالة الاضطراب ومنه قولهم : فلان رابط الجأش وله رباطة جأش.
وعلى مستعارة لتمكن الربط فهي ترشيح للمجاز.
[١٢ ، ١٣] (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣))
(إِذْ) ظرف متعلق بقوله : (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)