الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) [آل عمران : ١٥٥].
وإذ قد تضمنت الجملة إخبارا عن حالة أفعال فعلها المخاطبون ، كان المقصود اعلامهم بنفي ما يظنونه من أن حصول قتل المشركين يوم بدر كان بأسباب ضرب سيوف المسلمين ، فأنباهم أن تلك السيوف ما كان يحق لها أن تؤثر ذلك التأثير المصيب المطرد العام الذي حل بإبطال ذوي شجاعة ، وذوي شوكة وشكّة ، وإنما كان ضرب سيوف المسلمين صوريا ، أكرم الله المسلمين بمقارنته فعل الله تعالى الخارق للعادة ، فالمنفي هو الضرب الكائن سبب القتل في العادة ، وبذلك كان القتل الحاصل يومئذ معجزة للرسولصلىاللهعليهوسلم وكرامة لأصحابه ، وليس المنفي تأثير الضرب في نفس الأمر بناء على القضاء والقدر ، لأنه لو كان ذلك لم يكن للقتل الحاصل يوم بدر مزية على أي قتل يقع بالحق أو بالباطل ، في جاهلية أو إسلام ، وذلك سياق الآية الذي هو تكريم المسلمين وتعليل نهيهم عن الفرار إذا لقوا. وليس السياق لتعليم العقيدة الحق.
وأصل الخبر المنفي أن يدل على انتفاء صدور المسند عن المسند إليه ، لا أن يدل على انتفاء وقوع المسند أصلا فلذلك صح النفي في قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) مع كون القتل حاصلا ، وإنما المنفي كونه صادرا عن أسبابهم.
ووجه الاستدراك المفاد ب (لكِنَ) أن الخبر نفى أن يكون القتل الواقع صادرا عن المخاطبين فكان السامع بحيث يتطلب أكان القتل حقيقة أم هو دون القتل ، ومن كان فاعلا له ، فاحتيج إلى الاستدراك بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ).
وقدم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) دون أن يقال ولكن قتلهم الله ، لمجرد الاهتمام لا الاختصاص ، لأن نفي اعتقاد المخاطبين أنهم القاتلون قد حصل من جملة النفي ، فصار المخاطبون متطلبين لمعرفة فاعل قتل المشركين فكان مهمّا عندهم تعجيل العلم به.
(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
استطراد بذكر تأييد إلهي آخر لم يجر له ذكر في الكلام السابق ، وهو إشارة إلى ما ذكره المفسرون وابن إسحاق أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أن حرّض المؤمنين على القتال يوم بدر أتاه جبريل فقال خذ قبضة من تراب فارمهم بها فأخذ حفنة من الحصاء فاستقبل بها