وشاع ذلك الإطلاق الكنائي حتى صار بمنزلة المعنى الصريح ، وبقي الفعل المجرد صالحا للإصابة بالشر والخير ، واستعملوا أبلاه مهموز أي إصابة بخير قال ابن قتيبة : «يقال من الخير أبليته إبلاء ومن الشر بلوته أبلوه بلاء».
قلت : جعلوا الهمزة فيه دالة على الإزالة أي إزالة البلاء الذي غلب في إصابة الشر ولهذا قال تعالى : (بَلاءً حَسَناً) وهو مفعول مطلق لفعل يبلي موكد له ، لأن فعل يبلي دال على بلاء حسن وضمير (مِنْهُ) عائد إلى اسم الجلالة و (من) الابتداء المجازي لتشريف ذلك الإبلاء ويجوز عود الضمير إلى المذكور من القتل والرمي ويكون (من) للتعليل والسببية.
وقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) تذييل للكلام و (إن) هذا مقيدة للتعليل والربط أي فعل ذلك لأنه سميع عليم ، فقد سمع دعاء المؤمنين واستغاثتهم وعلم أنهم لعنايته ونصره فقبل دعاءهم ونصرهم.
(ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨))
الإشارة ب (ذلِكُمْ) إلى البلاء الحسن وهذه الإشارة لمجرد تأكيد المقصود من البلاء الحسن وأن ذلك البلاء علة للتوهين.
واسم الإشارة يفتتح به الكلام لمقاصد يجمعها التنبيه على أهمية ما يرد بعده كقوله تعالى : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٥٥] ويجيء في الكلام الوارد تعليلا كقوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) [الأنفال : ٥١].
وعليه فاسم الإشارة هنا مبتدأ حذف خبره وعطف عليه جملة : (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ).
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ) بفتح همزة (أن) ، فما بعدها في تأويل مصدر ، مجرور بلام التعليل محذوفة ، والتقدير ولتوهين كيد الكافرين.
ويجوز أن تكون الإشارة ب (ذلِكُمْ) إلى الأمرين ، وهو ما اقتضاه قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] من تعليل الرمي بخذل المشركين وهزمهم وإبلاء المؤمنين البلاء الحسن.
وإفراد اسم الإشارة مع كون المشار إليه اثنين على تأويل المشار إليه بالمذكور كما