الاستلزام على طريقة مستعملة المجاز المرسل وستجيء زيادة في استعمال (لو) الصهيبية عند قوله تعالى : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) في هذه السورة [٤٢].
فهكذا تقرير التلازم في قوله تعالى هنا : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ليس المعنى على أنه لم يسمعهم فلم يتولوا ، لأن توليهم ثابت ، بل المعنى على أنهم يتولون حتى في حالة ما لو سمعهم الله الإسماع المخصوص ، وهو إسماع الإفهام ، فكيف إذا لم يسمعوه.
وجملة : (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) حال من ضمير تولوا وهي مبينة للمراد من التولي وهو معناه المجازي وصوغ هذه الجملة بصيغة الجملة الاسمية للدلالة على تمكن إعراضهم أي إعراضا لا قبول بعده ، وهذا يفيد أن من التولي ما يعقبه إقبال ، وهو تولي الذين تولوا ثم أسلموا بعد ذلك مثل مصعب بن عمير.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ).
إعادة لمضمون قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال : ٢٠] الذي هو بمنزلة النتيجة من الدليل أو مقصد الخطبة من مقدمتها كما تقدم هنالك.
فافتتاح السورة كان بالأمر بالطاعة والتقوى ، ثم بيان أن حق المؤمنين الكمّل أن يخافوا الله ويطيعوه ويمتثلوا أمره وإن كانوا كارهين ، وضرب لهم مثلا بكراهتهم الخروج إلى بدر ، ثم بكراهتهم لقاء النفير وأوقفهم على ما اجتنوه من بركات الامتثال وكيف أيدهم الله بنصره ونصب لهم عليه أمارة الوعد بإمداد الملائكة ؛ لتطمئن قلوبهم بالنصر وما لطف بهم من الأحوال ، وجعل ذلك كله إقناعا لهم بوجوب الثبات في وجه المشركين عند الزحف ثم عاد إلى الأمر بالطاعة وحذرهم من أحوال الذين يقولون سمعنا وهم لا يسمعون ، وأعقب ذلك بالأمر بالاستجابة للرسول إذا دعاهم إلى شيء ، فإن في دعوته إياهم إحياء لنفوسهم وأعلمهم أن الله يكسب قلوبهم بتلك الاستجابة قوى قدسية.
واختير في تعريفهم ، عند النداء ، وصف الإيمان ليومئ إلى التعليل كما تقدم في الآيات من قبل ، أي أن الإيمان هو الذي يقتضي أن يثقوا بعناية الله بهم فيمتثلوا أمره إذا