واستبقائها بدفع العوادي عنها (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢].
والإحياء هذا مستعار لما يشبه إحياء الميت ، وهو إعطاء الإنسان ما به كمال الإنسان ، فيعم كل ما به ذلك الكمال من إنارة العقول بالاعتقاد الصحيح والخلق الكريم ، والدلالة على الأعمال الصالحة وإصلاح الفرد والمجتمع ، وما يتقوم به ذلك من الخلال الشريفة العظيمة ، فالشجاعة حياة للنفس ، والاستقلال حياة ، والحرية حياة ، واستقامة أحوال العيش حياة.
ولما كان دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم لا يخلوا عن إفادة شيء من معاني هذه الحياة أمر الله الأمة بالاستجابة له ، فالآية تقتضي الأمر بالامتثال لما يدعو إليه الرسول سواء دعا حقيقة بطلب القدوم ، أم طلب عملا من الأعمال ، فلذلك لم يكن قيد (لِما يُحْيِيكُمْ) مقصودا لتقييد الدعوة ببعض الأحوال بل هو قيد كاشف ، فإن الرسول صلىاللهعليهوسلم لا يدعوهم إلّا وفي حضورهم لديه حياة لهم ، ويكشف عن هذا المعنى في قيد (لِما يُحْيِيكُمْ) ما رواه أهل الصحيح عن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال : ألم يقل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) ثم قال : ألا أعلمك صورة الحديث في فضل فاتحة الكتاب ، فوقفه على قوله : (إِذا دَعاكُمْ) يدل على أن (لِما يُحْيِيكُمْ) قيد كاشف وفي «جامع الترمذي» عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج على أبيّ بن كعب فقال : يا أبيّ ـ وهو يصلي ـ فالتفت أبيّ ولم يجبه وصلى أبيّ فخفف ثم انصرف إلى رسول الله فقال : السلام عليك يا رسول الله ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وعليك السلام ما منعك يا أبيّ أن تجيبني إذ دعوتك ـ فقال : يا رسول الله إني كنت في الصلاة ـ فقال : أفلم تجد فيما أوحي إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ـ قال : بلى ولا أعود إن شاء الله» الحديث بمثل حديث أبي سعيد بن المعلى ـ قال ابن عطية : وهو مروي أيضا من طريق مالك بن أنس (يريد حديث أبيّ بن كعب وهو عند مالك حضر منه عند الترمذي) قال ابن عطية وروي أنه وقع نحوه مع حذيفة بن اليمان في غزوة الخندق ، فتكون عدة قضايا متماثلة ولا شك أن القصد منها التنبيه على هذه الخصوصية لدعاء الرسولصلىاللهعليهوسلم.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).