والتأييد : التقوية أي جعل الشيء ذا أيد ، أي ذا قدرة على العمل ، لأن اليد يكنى بها عن القدرة قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) [ص : ١٧].
وجملة : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) إدماج بذكر نعمة توفير الرزق في خلال المنة بنعمة النصر وتوفير العدد بعد الضعف والقلة ، فإن الأمن ووفرة العدد يجلبان سعة الرزق.
ومضمون هذه الآية صادق أيضا على المسلمين في كل عصر من عصور النبوة والخلافة الراشدة ، فجماعتهم لم تزل في ازدياد عزة ومنعة ، ولم تزل منصورة على الأمم العظيمة التي كانوا يخافونها من قبل أن يؤمنوا ، فقد نصرهم الله على هوازن يوم حنين ، ونصرهم على الروم يوم تبوك ونصرهم على الفرس يوم القادسية ، وعلى الروم في مصر ، وفي برقة ، وفي إفريقية ، وفي بلاد الجلالقة ، وفي بلاد الفرنجة من أوروبا ، فلما زاغ المسلمون وتفرقوا أخذ أمرهم يقف ثم ينقبض ابتداء من ظهور الدعوة العباسية ، وهي أعظم تفرق وقع في الدولة الإسلامية.
وقد نبههم الله تعالى بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فلما أعطوا حق الشكر دام أمرهم في تصاعد ، وحين نسوه أخذ أمرهم في تراجع ولله عاقبة الأمور.
ولم يزل النبي صلىاللهعليهوسلم ينبه المسلمين بالموعظة أن لا يحيدوا عن أسباب بقاء عزهم ، وفي الحديث ، عن حذيفة بن اليمان قال : «قلت يا رسول الله إنّا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر»؟ ـ قال : نعم ـ «قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم وفيه دخن» الحديث ، وفي الحديث الآخر «بدئ هذا الدين غريبا وسيعود كما بدئ».
[٢٧ ، ٢٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨))
استئناف خطاب للمؤمنين يحذرهم من العصيان الخفي. بعد أن أمرهم بالطاعة والاستجابة لله ولرسوله صلىاللهعليهوسلم ، حذرهم من أن يظهروا الطاعة والاستجابة في ظاهر أمرهم ويبطنوا المعصية والخلاف في باطنه ، ومناسبته لما قبله ظاهرة وإن لم تسبق من المسلمين خيانة وإنما هو تحذير.
وذكر الواحدي في «أسباب النزول» وروى جمهور المفسرين وأهل السير ، عن