وأحكام المسلمين الذين تخلفوا في مكة بعد الهجرة. وولايتهم وما يترتب على تلك الولاية.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١))
افتتاح السورة ب (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) مؤذن بأن المسلمين لم يعلموا ما ذا يكون في شأن المسمى عندهم (الْأَنْفالِ) وكان ذلك يوم بدر ، وأنهم حاوروا رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك ، فمنهم من يتكلم بصريح السؤال ، ومنهم من يخاصم أو يجادل غيره بما يؤذن حاله بأنه يتطلب فهما في هذا الشأن ، وقد تكررت الحوادث يومئذ : ففي «صحيح مسلم» ، و «جامع الترمذي» عن سعد بن أبي وقاص قال : «لما كان يوم بدر ـ أصبت سيفا لسعيد بن العاصي فأتيت به النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت نفلنيه ، فقال : ضعه (في القبض) ، ثم قلت : نفلنيه فقال ضعه حيث أخذته ، ثم قلت : نفلنيه فقال : ضعه من حيث أخذته ، فنزلت (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ)» وفي «أسباب النزول» للواحدي، و «سيرة ابن إسحاق» عن عبادة بن الصامت ، أنه سئل عن الأنفال فقال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل يوم بدر فانتزعه الله من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقنا فرده على رسوله فقسمه بيننا على بواء يقول على السواء ، وروى أبو داود ، عن ابن عباس ، قال : «لما كان يوم بدر ذهب الشبان للقتال وجلس الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نفلهم فقال الشيوخ : لا تستأثرون علينا فانا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم لكنا ردءا لكم ، واختصموا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).
والسؤال حقيقته الطلب ، فإذا عدّي ب (عن) فهو طلب معرفة المجرور ب (عن) وإذا عدّي بنفسه فهو طلب إعطاء الشيء ، فالمعنى ، هنا : يسألونك معرفة الأنفال ، أي معرفة حقها فهو من تعليق الفعل باسم ذات ، والمراد حالها بحسب القرينة مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] وإنما سألوا عن حكمها صراحة وضمنا في ضمن سؤالهم الأثرة ببعضها.
ومجيء الفعل بصيغة المضارع دال على تكرر السؤال ، إما بإعادته المرة بعد الأخرى من سائلين متعددين ، وإما بكثرة السائلين عن ذلك حين المحاورة في موقف واحد.
ولذلك كان قوله (يَسْئَلُونَكَ) مؤذنا بتنازع بين الجيش في استحقاق الأنفال ، وقد