أظهركم فلا يضركم ما صنع.
وموقع الواو في قوله (وَيَمْكُرُونَ) لم أر أحدا من المفسرين عرج على بيانه وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون واو الحال ، والجملة حال من (الَّذِينَ كَفَرُوا) وهي حال مؤسسة غير مؤكدة ، باعتبار ما اتصل بها من الجملة المعطوفة عليها ، وهي جملة : (وَيَمْكُرُ اللهُ) فقوله : (وَيَمْكُرُ اللهُ) هو مناط الفائدة من الحال وما قبله تمهيد له وتنصيص على أن مكرهم يقارنه مكر الله بهم ، والمضارع في (يَمْكُرُونَ) و (يَمْكُرُ) الله لاستحضار حالة المكر.
وثانيهما : أن تكون واو الاعتراض أي العطف الصوري ، ويكون المراد بالفعل المعطوف الدوام أي هم مكروا بك لثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك وهم لا يزالون يمكرون كقول كعب بن الأشرف لمحمد بن مسلمة «وأيضا لتملّنه» يعني النبي ، فتكون جملة (وَيَمْكُرُونَ) معترضة ويكون جملة : (وَيَمْكُرُ اللهُ) معطوفة على جملة : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) والمضارع في جملة : (وَيَمْكُرُونَ) للاستقبال والمضارع في (وَيَمْكُرُ اللهُ) لاستحضار حالة مكر الله في وقت مكرهم مثل المضارع المعطوف هو عليه.
وبيان معنى إسناد المكر إلى الله تقدم : في آية سورة آل عمران [٥٤] وآية سورة الأعراف [٩٩] وكذلك قوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
والذين تولوا المكر هم سادة المشركين وكبراؤهم وأعوان أولئك الذين كان دأبهم الطعن في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وفي نزول القرآن عليه ، وإنما أسند إلى جميع الكافرين لأن البقية كانوا أتباعا للزعماء يأتمرون بأمرهم ، ومن هؤلاء أبو جهل ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأمية بن خلف ، وأضرابهم.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١))
انتقال إلى ذكر بهتان آخر من حجاج هؤلاء المشركين ، لم تزل آيات هذه السورة يتخللها أخبار كفرهم من قوله : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) [الأنفال : ٧] ـ وقوله ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال : ١٣] ـ وقوله ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) [الأنفال : ١٧] ـ