مكتوبا بالعربية كتبها القصاصون من أهل الحيرة والأنبار تذكرة لأنفسهم ، وإنما هي أخبار لا حكمة فيها ولا موعظة ، وقد أطال فيها الفردوسي في كتاب «الشاهنامة» تطويلا مملا على عادة أهل القصص ، وقال الفخر : اشترى النضر من الحيرة أحاديث كليلة ودمنة ، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم فيقرأ عليهم أساطير الأولين ، فإسناد قول النضر بن الحارث إلى جماعة المشركين : من حيث إنهم كانوا يؤيدونه ويحكونه ويحاكونه ، ويحسبون فيه معذرة لهم عن العجز الذي تلبسوا به في معارضة القرآن ، وأنه نفّس عليهم بهذه الأغلوطة ، فإذا كان الذي ابتكره هو النضر بن الحارث فليس يمتنع أن تصدر أمثال هذا القول من أمثاله وأتباعه ، فمن ضمنهم مجلسه الذي جاء فيه بهذه النزاقة.
وقولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) إيهام بأنهم ترفعوا عن معارضته ، وأنهم لو شاءوا لنقلوا من أساطير الأولين إلى العربية ما يوازي قصص القرآن وهذه وقاحة ، وإلّا فما منعهم أن يشاءوا معارضة من تحداهم وقرعهم بالعجز بقوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤] مع تحيزهم وتآمرهم في إيجاد معذرة يعتذرون بها عن القرآن وإعجازه إياهم وتحديه لهم ، وما قاله الوليد بن المغيرة في أمر القرآن.
و «الأساطير» جمع أسطورة بضم الهمزة ـ وهي القصة ، وتقدم عند قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في سورة الأنعام [٢٥].
والمخالفة بين شرط (لَوْ) وجوابها إذ جعل شرطها مضارعا والجزاء ماضيا جرى على الاستعمال في (لو) غالبا ، لأنها موضوعة للماضي فلزم أن يكون أحد جزأي جملتها ماضيا ، أو كلاهما. فإذا أريد التفنن خولف بينهما ، فالتقدير : لو شئنا لقلنا ، ولا يبعد عندي في مثل هذا التركيب أن يكون احتباكا قائما مقام شرطين وجزاءين فإحدى الجملتين مستقبلة والأخرى ماضية ، فالتقدير لو نشاء أن نقول نقول ، ولو شئنا القول في الماضي لقلنا فيه ، فذلك أوعب للأزمان ، ويكون هذا هو الفرق بين قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) [السجدة : ١٣] ـ وقوله : (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١] فهم لما قالوا : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) ادعوا القدرة على قول مثله في الماضي وفي المستقبل إغراقا في النفاجة والوقاحة.
(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا