بما يكتسبونه.
و (ثُمَ) للتراخي الحقيقي والرتبي ، أي وبعد ذلك تكون تلك الأموال التي ينفقونها حسرة عليهم ، والحسرة شدة الندامة والتلهف على ما فات ، وأسندت الحسرة إلى الأموال لأنها سبب الحسرة بإنفاقها. ثم إن الإخبار عنها بنفس الحسرة مبالغة مثل الإخبار بالمصادر ، لأن الأموال سبب التحسر لا سبب الحسرة نفسها.
وهذا إنذار بأنهم لا يحصلون من إنفاقهم على طائل فيما أنفقوا لأجله ، لأن المنفق إنما يتحسر ويندم إذا لم يحصل له المقصود من إنفاقه. ومعنى ذلك أنهم ينفقون ليغلبوا فلا يغلبون ، فقد أنفقوا بعد ذلك على الجيش يوم أحد : استأجر أبو سفيان ألفين من الأحابيش لقتال المسلمين يوم أحد. والأحابيش : فرق من كنانة تجمعت من أفذاذ شتى وحالفوا قريشا وسكنوا حول مكة سمّوا أحابيش جمع أحبوش وهو الجماعة أي الجماعات فكان ما أحرزوه من النصر كفاء لنصر يوم بدر ، بل كان نصر يوم بدر أعظم. ولذلك اقتنع أبو سفيان يوم أحد أن يقول «يوم بيوم بدر والحرب سجال» وكان يحسب أن النبيصلىاللهعليهوسلم قد قتل وأن أبا بكر وعمر قتلا فخاب في حسابه ، ثم أنفقوا على الأحزاب حين هاجموا المدينة ثم انصرفوا بلا طائل ، فكان إنفاقهم حسرة عليهم.
وقوله : (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) ارتقاء في الإنذار بخيبتهم وخذلانهم ، فإنهم بعد أن لم يحصلوا من إنفاقهم على طائل توعدوا بأنهم سيغلبهم المسلمون بعد أن غلبوهم أيضا يوم بدر ، وهو إنذار لهم بغلب فتح مكة وانقطاع دابر أمرهم ، وهذا كالإنذار في قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٢] وإسناد الفعل إلى المجهول لكون فاعل الفعل معلوما بالسياق فإن أهل مكة ما كانوا يقاتلون غير المسلمين وكانت مكة لقاحا.
و (ثُمَ) للتراخي الحقيقي والرتبي مثل التي قبلها.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.)
كان مقتضى الظاهر أن يقال وإلى جهنم يحشرون كما قال في الآية الأخرى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٢] فعدل عن الإضمار هنا إلى الإظهار تخريجا على خلاف مقتضى الظاهر ، للإفصاح عن التشنيع بهم في هذا