وفي قوله تعالى : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) محسن بديعي وهو الاتزان لأنه في ميزان الرجز.
والمراد بالعود الرجوع إلى ما هم فيه من مناوأة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ، والتجهز لحربهم ، مثل صنعهم يوم بدر ، وليس المراد عودهم إلى الكفر بعد الانتهاء لأن مقابلته بقوله: (إِنْ يَنْتَهُوا) تقتضي أنه ترديد بين حالتين لبيان ما يترتب على كل واحدة منهما وهذا كقول العرب بعضهم لبعض : «أسلم أنت أم حرب» ولأن الذين كفروا لما يفارقوا الكفر بعد فلا يكون المراد بالعود عودهم إلى الكفر بعد أن يسلموا.
والسنة العادة المألوفة والسيرة. وقد تقدم في قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) في آل عمران [١٣٧].
ومعنى (مَضَتْ) تقدمت وعرفها الناس.
وهذا الخبر تعريض بالوعيد بأنهم سيلقون ما لقيه الأولون ، والقرينة على إرادة التعريض بالوعيد أن ظاهر الإخبار بمضي سنة الأولين ، وهو من الإخبار بشيء معلوم للمخبرين به ، وبهذا الاعتبار حسن تأكيده بقد إذ المراد تأكيد المعنى التعريضي.
وبهذا الاعتبار صح وقوع قوله : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) جزاء للشرط. ولو لا ذلك لما كان بين الشرط وجوابه ملازمة في شيء.
والأولون : السابقون المتقدمون في حالة ، والمراد هنا الأمم التي سبقت وعرفوا أخبارهم أنهم كذبوا رسل الله فلقوا عذاب الاستيصال مثل عاد وثمود قال تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) [فاطر : ٤٣].
ويجوز أن المراد بالأولين أيضا السابقون للمخاطبين من قومهم من أهل مكة الذين استأصلهم السيف يوم بدر ، وفي كل أولئك عبرة للحاضرين الباقين ، وتهديد بأن يصيروا مصيرهم.
[٣٩ ، ٤٠] (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))
عطف على جملة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) [الأنفال : ٣٦] الآية ، ويجوز أن