بالصحبة ، وهي المعية في غالب الأحوال ، ومنه سمّيت الزوجة صاحبة ، كما تقدّم في قوله تعالى : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) في سورة الأنعام [١٠١]. وهذا القول صدر من النبيصلىاللهعليهوسلم لأبي بكر حين كانا مختفيين في غار ثور ، فكان أبو بكر حزينا إشفاقا على النبيصلىاللهعليهوسلم أن يشعر به المشركون ، فيصيبوه بمضرّة ، أو يرجعوه إلى مكة.
والمعية هنا : معية الإعانة والعناية ، كما حكى الله تعالى عن موسى وهارون : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) [طه : ٤٦] ـ وقوله ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) [الأنفال : ١٢].
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
التفريع مؤذن بأنّ السكينة أنزلت عقب الحلول في الغار ، وأنّها من النصر ، إذ هي نصر نفساني ، وإنّما كان التأييد بجنود لم يروها نصرا جثمانيا. وليس يلزم أن يكون نزول السكينة عقب قوله : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) بل إنّ قوله ذلك هو من آثار سكينة الله التي أنزلت عليه ، وتلك السكينة هي مظهر من مظاهر نصر الله إيّاه ، فيكون تقدير الكلام : فقد نصره الله فأنزل السكينة عليه وأيّده بجنود حين أخرجه الذين كفروا ، وحين كان في الغار ، وحين قال لصاحبه : لا تحزن إن الله معنا. فتلك الظروف الثلاثة متعلّقة بفعل (نَصَرَهُ) على الترتيب المتقدّم ، وهي كالاعتراض بين المفرّع عنه والتفريع ، وجاء نظم الكلام على هذا السبك البديع للمبادأة بالدلالة على أنّ النصر حصل في أزمان وأحوال ما كان النصر ليحصل في أمثالها لغيره لو لا عناية الله به ، وأنّ نصره كان معجزة خارقا للعادة.
وبهذا البيان تندفع الحيرة التي حصلت للمفسّرين في معنى الآية ، حتّى أغرب كثير منهم فأرجع الضمير المجرور من قوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) إلى أبي بكر ، مع الجزم بأنّ الضمير المنصوب في (أَيَّدَهُ) راجع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فنشأ تشتيت الضمائر ، وانفكاك الأسلوب بذكر حالة أبي بكر ، مع أنّ المقام لذكر ثبات النبي صلىاللهعليهوسلم وتأييد الله إيّاه ، وما جاء ذكر أبي بكر إلّا تبعا لذكر ثبات النبي عليه الصلاة والسلام ، وتلك الحيرة نشأت عن جعل (فَأَنْزَلَ اللهُ) مفرّعا على (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) وألجأهم إلى تأويل قوله : (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) إنّها جنود الملائكة يوم بدر ، وكلّ ذلك وقوف مع ظاهر ترتيب الجمل ، مع الغفلة عن أسلوب النظم المقتضي تقديما وتأخيرا.
والسكينة : اطمئنان النفس عند الأحوال المخوفة ، مشتقّة من السكون ، وقد تقدّم