قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم |
|
طاروا إليه زرافات ووحدانا |
فالثقل الذي يناسب هذا هو الثبات في القتال كما في قول أبي الطيب :
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا
وتستعار الخفّة لقلّة العدد ، والثقل لكثرة عدد الجيش كما في قول قريط : «زرافات ووحدانا».
وتستعار الخفّة لتكرير الهجوم على الأعداء ، والثقل للتثبّت في الهجوم. وتستعار الخفّة لقلّة الأزواد أو قلّة السلاح ، والثقل لضدّ ذلك. وتستعار الخفّة لقلّة العيال ، والثقل لضدّ ذلك وتستعار الخفّة للركوب لأنّ الراكب أخفّ سيرا ، والثقل للمشي على الأرجل وذلك في وقت القتال. قال النابغة :
على عارفات للطّعان عوابس |
|
بهنّ كلوم بين دام وجالب (١) |
إذ استنزلوا عنهنّ للضّرب ارقلوا |
|
إلى الموت إرقال الجمال المصاعب |
وكلّ هذه المعاني صالحة للإرادة من الآية ولمّا وقع (خِفافاً وَثِقالاً) حالا من فاعل (انْفِرُوا) ، كان محمل بعض معانيهما على أن تكون الحال مقدّرة والواو العاطفة لإحدى الصفتين على الأخرى للتقسيم ، فهي بمعنى (أو) ، والمقصود الأمر بالنفير في جميع الأحوال.
والمجاهدة : المغالبة للعدوّ ، وهي مشتقّة من الجهد ـ بضمّ الجيم ـ أي بذل الاستطاعة في المغالبة ، وهو حقيقة في المدافعة بالسلاح ، فإطلاقه على بذل المال في الغزو من إنفاق على الجيش واشتراء الكراع والسلاح ، مجاز بعلاقة السببية.
وقد أمر الله بكلا الأمرين فمن استطاعهما معا وجبا عليه ، ومن لم يستطع إلّا واحدا منهما وجب عليه الذي استطاعه منهما.
وتقديم الأموال على الأنفس هنا : لأنّ الجهاد بالأموال أقلّ حضورا بالذهن عند سماع الأمر بالجهاد ، فكان ذكره أهمّ بعد ذكر الجهاد مجملا.
والإشارة ب (ذلِكُمْ) إلى الجهاد المستفاد من (وَجاهِدُوا).
__________________
(١) أي على خيل عارفات للطعان أي متعودات به.