وإبهام (خَيْرٌ) لقصد توقّع خير الدنيا والآخرة من شعب كثيرة أهمها الاطمئنان من أن يغزوهم الروم ولذلك عقب بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم تعلمون ذلك الخير وشعبه. وفي اختيار فعل العلم دون الإيمان مثلا للإشارة إلى أنّ من هذا الخير ما يخفى فيحتاج متطلّب تعيين شعبه إلى اعمال النظر والعلم.
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢))
استئناف لابتداء الكلام على حال المنافقين وغزوة تبوك حين تخلّفوا واستأذن كثير منهم في التخلّف واعتلّوا بعلل كاذبة ، وهو ناشئ عن قوله : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨].
وانتقل من الخطاب إلى الغيبة لأنّ المتحدّث عنهم هنا بعض المتثاقلين لا محالة بدليل قوله بعد هذا (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) [التوبة : ٤٥]. ومن هذه الآيات ابتدأ إشعار المنافقين بأنّ الله أطلع رسوله صلىاللهعليهوسلم على دخائلهم.
والعرض ما يعرض للناس من متاع الدنيا وتقدّم في قوله تعالى : (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) في سورة الأعراف [١٦٩] وقوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) في سورة الأنفال [٦٧] والمراد به الغنيمة.
والقريب : الكائن على مسافة قصيرة ، وهو هنا مجاز في السهل حصوله. و (قاصِداً) أي وسطا في المسافة غير بعيد. واسم كان محذوف دلّ عليه الخبر : أي لو كان العرض عرضا قريبا ، والسفر سفرا متوسّطا ، أو : لو كان ما تدعوهم إليه عرضا قريبا وسفرا.
والشّقة ـ بضمّ الشين ـ المسافة الطويلة.
وتعدية (بَعُدَتْ) ـ بحرف (على) لتضمّنه معنى ثقلت ، ولذلك حسن الجمع بين فعل (بَعُدَتْ) وفاعله (الشُّقَّةُ) مع تقارب معنييهما ، فكأنّه قيل : ولكن بعد منهم المكان لأنّه شقّة ، فثقل عليهم السفر ، فجاء الكلام موجزا.
وقوله : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) يؤذن بأنّ الآية نزلت قبل الرجوع من غزوة تبوك ، فإنّ حلفهم إنّما كان بعد الرجوع وذلك حين استشعروا أنّ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ظان كذبهم في أعذارهم.