والاستطاعة القدرة : أي لسنا مستطيعين الخروج ، وهذا اعتذار منهم وتأكيد لاعتذارهم.
وجملة (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) جواب (لَوْ).
والخروج الانتقال من المقرّ إلى مكان آخر قريب أو بعيد ويعدّى إلى المكان المقصود ب (إلى) ، وإلى المكان المتروك ب (من) ، وشاع إطلاق الخروج على السفر للغزو. وتقييده بالمعية إشعار بأنّ أمر الغزو لا يهمّهم ابتداء ، وأنّهم إنّما يخرجون لو خرجوا إجابة لاستنفار النبي صلىاللهعليهوسلم : خروج الناصر لغيره ، تقول العرب : خرج بنو فلان وخرج معهم بنو فلان ، إذا كانوا قاصدين نصرهم.
وجملة (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) حال ، أي يحلفون مهلكين أنفسهم ، أي موقعينها في الهلك. والهلك : الفناء والموت ، ويطلق على الأضرار الجسيمة وهو المناسب هنا ، أي يتسبّبون في ضرّ أنفسهم بالأيمان الكاذبة ، وهو ضرّ الدنيا وعذاب الآخرة.
وفي هذه الآية دلالة على أنّ تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك ، ويؤيّده ما رواه البخاري في كتاب الديات من خبر الهذليين الذين حلفوا أيمان القسامة في زمن عمر ، وتعمّدوا الكذب ، فأصابهم مطر فدخلوا غارا في جبل فانهجم عليهم الغار فماتوا جميعا.
وجملة (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) حال ، أي هم يفعلون ذلك في حال عدم جدواه عليهم ، لأنّ الله يعلم كذبهم ، أي ويطلع رسوله على كذبهم ، فما جنوا من الحلف إلّا هلاك أنفسهم.
وجملة (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) سدّت مسدّ مفعولي (يَعْلَمُ).
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣))
استأذن فريق من المنافقين النبي صلىاللهعليهوسلم ، أن يتخلّفوا عن الغزوة ، منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، والجدّ بن قيس ، ورفاعة بن التابوت ، وكانوا تسعة وثلاثين واعتذروا بأعذار كاذبة وأذن النبي صلىاللهعليهوسلم لمن استأذنه حملا للناس على الصدق ، إذ كان ظاهر حالهم الإيمان ، وعلما بأنّ المعتذرين إذا ألجئوا إلى الخروج لا يغنون شيئا ، كما قال تعالى : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) [التوبة : ٤٧] فعاتب الله نبيئه صلىاللهعليهوسلم في أن أذن لهم ،