عن الجهاد ، فأمّا أهل الأعذار : كالعمي ، فهم لا يستنفرهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأمّا الذين تخلّفوا من المؤمنين فقد تخلّفوا ولم يستأذنوا في التخلّف ، لأنّهم كانوا على نية اللحاق بالجيش بعد خروجه.
والاستئذان : طلب الإذن ، أي في إباحة عمل وترك ضدّه ، لأنّ شأن الإباحة أن تقتضي التخيير بين أحد أمرين متضادّين.
والاستئذان يعدّى ب (في). فقوله : (أَنْ يُجاهِدُوا) في محلّ جرّ ب (في) المحذوفة ، وحذف الجارّ مع (أَنْ) مطّرد شائع.
ولمّا كان الاستئذان يستلزم شيئين متضادّين ، كما قلنا ، جاز أن يقال : استأذنت في كذا واستأذنت في ترك كذا. وإنّما يذكر غالبا مع فعل الاستئذان الأمر الذي يرغب المستأذن الإذن فيه دون ضدّه وإن كان ذكر كليهما صحيحا.
ولمّا كان شأن المؤمنين الرغبة في الجهاد كان المذكور مع استئذان المؤمنين ، في الآية أن يجاهدوا دون أن لا يجاهدوا ، إذ لا يليق بالمؤمنين الاستئذان في ترك الجهاد ، فإذا انتفى أن يستأذنوا في أن يجاهدوا ثبت أنّهم يجاهدون دون استئذان ، وهذا من لطائف بلاغة هذه الآية التي لم يعرّج عليها المفسّرون وتكلّفوا في إقامة نظم الآية.
وجملة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) معترضة لفائدة التنبيه على أنّ الله مطّلع على أسرار المؤمنين إذ هم المراد بالمتّقين كما تقدّم في قوله في سورة البقرة [٢ ، ٣] (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥))
الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا نشأ عن تبرئة المؤمنين من أن يستأذنوا في الجهاد : ببيان الذين شأنهم الاستئذان في هذا الشأن ، وأنّهم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر في باطن أمرهم لأنّ انتفاء إيمانهم ينفي رجاءهم في ثواب الجهاد ، فلذلك لا يعرضون أنفسهم له.
وأفادت (إِنَّما) القصر. ولمّا كان القصر يفيد مفاد خبرين بإثبات شيء ونفي ضدّه كانت صيغة القصر هنا دالّة باعتبار أحد مفاديها على تأكيد جملة (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ