التهكّم بتأكيد الشيء بما يشبه ضده فإنّ الخبال في الحرب بعض من عدم الزيادة في قوة الجيش ، بل هو أشدّ عدما للزيادة ، ولكنّه ادّعي أنّه من نوع الزيادة في فوائد الحرب ، وأنّه يجب استثناؤه من ذلك النفي ، على طريقة التهكّم.
والخبال : الفساد ، وتفكّك الشيء الملتحم الملتئم ، فأطلق هنا على اضطراب الجيش واختلال نظامه.
وحقيقة (لَأَوْضَعُوا) أسرعوا سير الرّكاب. يقال : وضع البعير وضعا ، إذا أسرع ويقال : أوضعت بعيري ، أي سيّرته سيرا سريعا. وهذا الفعل مختصّ بسير الإبل فلذلك ينزّل فعل أوضع منزلة القاصر لأنّ مفعوله معلوم من مادّة فعله. وهو هنا تمثيل لحالة المنافقين حين يبذلون جهدهم لإيقاع التخاذل والخوف بين رجال الجيش ، وإلقاء الأخبار الكاذبة عن قوّة العدوّ ، بحال من يجهد بعيره بالسير لإبلاغ خبر مهمّ أو إيصال تجارة لسوق ، وقريب من هذا التمثيل قوله تعالى : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) [الإسراء : ٥] وقوله : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [المائدة : ٦٢]. وأصله قولهم : يسعى لكذا ، إلّا أنّه لمّا شاع إطلاق السعي في الحرص على الشيء خفيت ملاحظة تمثيل الحالة عند إطلاقه لكثرة الاستعمال فلذلك اختير هنا ذكر الإيضاع لعزّة هذا المعنى ، ولما فيه من الصلاحية لتفكيك الهيئة بأن يشبه الفاتنون بالرّكب ، ووسائل الفتنة بالرواحل.
وفي ذكر (خِلالَكُمْ) ما يصلح لتشبيه استقرائهم الجماعات والأفراد بتغلغل الرواحل في خلال الطرق والشعاب.
والخلال : جمع خلل بالتحريك. وهو الفرجة بين شيئين واستعير هنا لمعنى بينكم تشبيها لجماعات الجيش بالأجزاء المتفرّقة.
وكتب كلمة و (لَأَوْضَعُوا) في المصحف ـ بألف بعد همزة أوضعوا ـ التي في اللام ألف بحيث وقع بعد اللام ألفان فأشبهت اللام ألف لا النافية لفعل أوضعوا ولا ينطق بالألف الثانية في القراءة فلا يقع التباس في ألفاظ الآية. قال الزجاج : وإنّما وقعوا في ذلك لأنّ الفتحة في العبرانية وكثير من الألسنة تكتب ألفا. وتبعه الزمخشري ، وقال ابن عطية : «يحتمل أن تمطل حركة اللام فتحدث ألف بين اللام والهمزة التي من أوضع ، وقيل : ذلك لخشونة هجاء الأوّلين» ، يعني لعدم تهذيب الرسم عند الأقدمين من العرب. قال الزمخشري: ومثل ذلك كتبوا (لَأَذْبَحَنَّهُ) في سورة النمل [٢١] قلت : وكتبوا (لَأُعَذِّبَنَّهُ) [النمل : ٢١] بلام ألف لا غير وهي بلصق كلمة (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) [النمل : ٢١] ، ولا في نحو