ويجوز أن يكون (قَلَّبُوا) مبالغة في قلب الأمر إذا أخفى ما كان ظاهرا منه وأبدى ما كان خفيّا ، كقولهم : قلب له ظهر المجن. وتعديته باللام في قوله (لَكَ) ظاهرة.
و (الْأُمُورَ) جمع أمر ، وهو اسم مبهم مثل شيء كما في قول الموصلي :
ولكن مقادير جرت وأمور
والألف واللام فيه للجنس ، أي أمورا تعرفون بعضها ولا تعرفون بعضا.
و (حَتَّى) غاية لتقليبهم الأمور.
ومجيء الحقّ حصوله واستقراره والمراد بذلك زوال ضعف المسلمين وانكشاف أمر المنافقين.
والمراد بظهور أمر الله نصر المسلمين بفتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجا وذلك يكرهه المنافقون.
الظهور والغلبة والنصر.
و (أَمْرُ اللهِ) دينه ، أي فلمّا جاء الحقّ وظهر أمر الله علموا أنّ فتنتهم لا تضرّ المسلمين ، فلذلك لم يروا فائدة في الخروج معهم إلى غزوة تبوك فاعتذروا عن الخروج من أول الأمر.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩))
نزلت في بعض المنافقين استأذنوا النبي صلىاللهعليهوسلم في التخلّف عن تبوك ولم يبدوا عذرا يمنعهم من الغزو ، ولكنّهم صرّحوا بأنّ الخروج إلى الغزو يفتنهم لمحبّة أموالهم وأهليهم ، ففضح الله أمرهم بأنّهم منافقون : لأن ضمير الجمع المجرور عائد إلى (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٤٥] ، وقيل : قال جماعة منهم : ائذن لنا لأنّا قاعدون أذنت لنا أم لم تأذن فأذن لنا لئلا نقع في المعصية. وهذا من أكبر الوقاحة لأنّ الإذن في هذه الحالة كلا إذن ، ولعلّهم قالوا ذلك لعلهم برفق النبي صلىاللهعليهوسلم وقيل : إنّ الجدّ بن قيس قال : يا رسول الله لقد علم الناس أنّي مستهتر بالنساء فإنّي إذا رأيت نساء بني الأصفر افتتنت بهنّ فأذن لي في التخلّف ولا تفتنّي وأنا أعينك بمالي ، فأذن لهم. ولعلّ كلّ ذلك كان.