والإتيان بأداة الاستفتاح في جملة (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) للتنبيه على ما بعدها من عجيب حالهم إذ عاملهم الله بنقيض مقصودهم فهم احترزوا عن فتنة فوقعوا في الفتنة. فالتعريف في الفتنة ليس تعريف العهد إذ لا معهود هنا ، ولكنّه تعريف الجنس المؤذن بكمال المعرّف في جنسه ، أي في الفتنة العظيمة سقطوا ، فأيّ وجه فرض في المراد من الفتنة حين قال قائلهم (وَلا تَفْتِنِّي) كان ما وقع فيه أشدّ ممّا تفصّى منه ، فإن أراد فتنة الدين فهو واقع في أعظم الفتنة بالشرك والنفاق ، وإن أراد فتنة سوء السمعة بالتخلّف فقد وقع في أعظم بافتضاح أمر نفاقهم ، وإن أراد فتنة النكد بفراق الأهل والمال فقد وقع في أعظم نكد بكونه ملعونا مبغوضا للناس. وتقدّم بيان (الْفِتْنَةِ) قريبا.
والسقوط مستعمل مجازا في الكون فجأة على وجه الاستعارة : شبّه ذلك الكون بالسقوط في عدم التهيّؤ له وفي المفاجأة باعتبار أنّهم حصلوا في الفتنة في حال أمنهم من الوقوع فيها ، فهم كالساقط في هوّة على حين ظنّ أنّه ماش في طريق سهل ومن كلام العرب «على الخبير سقطت».
وتقديم المجرور على عامله ، للاهتمام به لأنّه المقصود من الجملة.
وهذه الجملة تسير مسرى المثل.
وجملة (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) معترضة والواو اعتراضية ، أي وقعوا في الفتنة المفضية إلى الكفر. والكفر يستحقّ جهنّم.
وإحاطة جهنّم مراد منها عدم إفلاتهم منها ، فالإحاطة كناية عن عدم الإفلات. والمراد بالكافرين : جميع الكافرين فيشمل المتحدّث عنهم لثبوت كفرهم بقوله : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٤٥].
ووجه العدول عن الإتيان بضميرهم إلى الإتيان بالاسم الظاهر في قوله : (لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) إثبات إحاطة جهنّم بهم بطريق شبيه بالاستدلال ، لأنّ شمول الاسم الكلي لبعض جزئياته أشهر أنواع الاستدلال.
(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠))
تتنزل هذه الجملة منزلة البيان لجملة (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ