الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة : ٤٥] ، وما بين الجملتين استدلال على كذبهم في ما اعتذروا به وأظهروا الاستيذان لأجله ، وبيّن هنا أن تردّدهم هو أنّهم يخشون ظهور أمر المسلمين ، فلذلك لا يصارحونهم بالإعراض ويودّون خيبة المؤمنين ، فلذلك لا يحبّون الخروج معهم.
والحسنة : الحادثة التي تحسن لمن حلّت به واعترته. والمراد بها هنا النصر والغنيمة.
والمصيبة مشتقّة من أصاب بمعنى حلّ ونال وصادف ، وخصت المصيبة في اللغة بالحادثة التي تعتري الإنسان فتسوؤه وتحزنه. ولذلك عبّر عنها بالسيئة في قوله تعالى ، في سورة آل عمران [١٢٠] : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها). والمراد بها الهزيمة في الموضعين ، وقد تقدّم ذلك في قوله تعالى : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) في سورة الأعراف [٩٥].
وقولهم : (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) ابتهاج منهم بمصادفة أعمالهم ما فيه سلامتهم فيزعمون أنّ يقظتهم وحزمهم قد صادفا المحز ، إذ احتاطوا له قبل الوقوع في الضرّ.
والأخذ حقيقته التناول ، وهو هنا مستعار للاستعداد والتلافي.
والأمر الحال المهمّ صاحبه ، أي : قد استعددنا لما يهمّنا فلم نقع في المصيبة.
والتولّي حقيقته الرجوع ، وتقدم في قوله تعالى : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ) في سورة البقرة [٢٠٥]. وهو هنا تمثيل لحالهم في تخلّصهم من المصيبة ، التي قد كانت تحل بهم لو خرجوا مع المسلمين ، بحال من أشرفوا على خطر ثم سلموا منه ورجعوا فارحين مسرورين بسلامتهم وبإصابة أعدائهم.
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١))
تلقين جواب لقولهم : (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) [التوبة : ٥٠] المنبئ عن فرحهم بما ينال المسلمين من مصيبة بإثبات عدم اكتراث المسلمين بالمصيبة وانتفاء حزنهم عليها لأنّهم يعلمون أن ما أصابهم ما كان إلّا بتقدير الله لمصلحة المسلمين في ذلك ، فهو نفع محض كما تدلّ عليه تعدية فعل (كَتَبَ) باللام المؤذنة بأنّه كتب ذلك لنفعهم وموقع هذا