وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب : ٦٠ ، ٦١].
وقوله : (وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) كلام موجه لصلاحيته لأن يكون معناه أيضا وما هم منكم ولكنّهم قوم متّصفون بصفة الجبن ، والمؤمنون من صفتهم الشجاعة والعزّة ، فالذين يفرقون لا يكونون من المؤمنين ، وفي معنى هذا قوله تعالى : (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦] وقول مساور بن هند في ذمّ بني أسد :
زعمتم أنّ إخوتكم قريش |
|
لهم إلف وليس لكم إلاف |
أولئك أومنوا جوعا وخوفا |
|
وقد جاعت بنو أسد وخافوا |
فيكون توجيها بالثناء على المؤمنين ، وربما كانت الآية المذكورة عقبها أوفق بهذا المعنى. وفي هذه الآية دلالة على أنّ اختلاف الخلق مانع من المواصلة والموافقة.
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧))
بيان لجملة : (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [التوبة : ٥٦].
والملجأ : مكان اللّجإ ، وهو الإيواء والاعتصام.
والمغارات : جمع مغارة ، وهي الغار المتّسع الذي يستطيع الإنسان الولوج فيه ، ولذلك اشتقّ لها المفعل : الدالّ على مكان الفعل ، من غار الشيء إذا دخل في الأرض. والمدّخل مفتعل اسم مكان للادّخال الذي هو افتعال من الدخول. قلبت تاء الافتعال دالا لوقوعها بعد الدال ، كما أبدلت في ادّان ، وبذلك قرأه الجمهور. وقرأ يعقوب وحده (أَوْ مُدَّخَلاً) ـ بفتح الميم وسكون الدال ـ اسم مكان من دخل.
ومعنى (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) لانصرفوا إلى أحد المذكورات وأصل ولّى أعرض ولمّا كان الإعراض يقتضي جهتين : جهة ينصرف عنها ، وجهة ينصرف إليها ، كانت تعديته بأحد الحرفين تعيّن المراد.
والجموح : حقيقته النفور ، واستعمل هنا تمثيلا للسرعة مع الخوف.
والمعنى : أنهم لخوفهم من الخروج إلى الغزو لو وجدوا مكانا ممّا يختفي فيه المختفي فلا يشعر به الناس لقصدوه مسرعين خشية أن يعزم عليهم الخروج إلى الغزو.