(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨))
عرف المنافقون بالشحّ كما قال الله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) [الأحزاب : ١٩] ـ وقال ـ (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) [الأحزاب : ١٩] ومن شحّهم أنّهم يودّون أنّ الصدقات توزع عليهم فإذا رأوها توزّع على غيرهم طعنوا في إعطائها بمطاعن يلقونها في أحاديثهم ، ويظهرون أنّهم يغارون على مستحقّيها ، ويشمئزّون من صرفها في غير أهلها ، وإنّما يرومون بذلك أن تقصر عليهم.
روي أنّ أبا الجوّاظ ، من المنافقين ، طعن في أن أعطى النبي صلىاللهعليهوسلم من أموال الصدقات بعض ضعفاء الأعراب رعاء الغنم ، إعانة لهم ، وتأليفا لقلوبهم ، فقال : ما هذا بالعدل أن يضع صدقاتكم في رعاء الغنم ، وقد أمر أن يقسمها في الفقراء والمساكين ، وقد روي أنّه شافه بذلك النبي صلىاللهعليهوسلم.
وعن أبي سعيد الخدري : أنّها نزلت في ذي الخويصرة التميمي الذي قال للنبيصلىاللهعليهوسلم : اعدل ، وكان ذلك في قسمة ذهب جاء من اليمن سنة تسع ، فلعل السبب تكرّر ، وقد كان ذو الخويصرة من المنافقين من الأعراب.
واللّمز القدح والتعييب ، مضارعه من باب يضرب ، وبه قرأ الجمهور ، ومن باب ينصر ، وبه قرأ يعقوب وحده.
وأدخلت (فِي) على (الصَّدَقاتِ) ، وإنّما اللمز في توزيعها لا في ذواتها : لأنّ الاستعمال يدلّ على المراد ، فهذا من إسناد الحكم إلى الأعيان والمراد أحوالها.
ثم إنّ قوله : (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) يحتمل : أنّ المراد ظاهر الضمير أن يعود على المذكور ، أي إن أعطي اللامزون ، أي إنّ الطاعنين يطمعون أن يأخذوا من أموال الصدقات بوجه هدية وإعانة ، فيكون ذلك من بلوغهم الغاية في الحرص والطمع ، ويحتمل أنّ الضمير راجع إلى ما رجع إليه ضمير (مِنْهُمْ) أي : فإن أعطي المنافقون رضي اللّامزون ، وإن أعطي غيرهم سخطوا ، فالمعنى أنّهم يرومون أن لا تقسم الصدقات إلّا على فقرائهم ولذلك كره أبو الجواظ أن يعطى الأعراب من الصدقات.
ولم يذكر متعلّق (رَضُوا) ، لأنّ المراد صاروا راضين ، أي عنك.