وجملة (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) تذييل إمّا أفاده الحصر ب (إِنَّمَا) في قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) إلخ ، أي : والله عليم حكيم في قصر الصدقات على هؤلاء ، أي أنّه صادر عن العليم الذي يعلم ما يناسب في الأحكام ، والحكيم الذي أحكم الأشياء التي خلقها أو شرعها. والواو اعتراضية لأنّ الاعتراض يكون في آخر الكلام على رأي المحقّقين.
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١))
عطف ذكر فيه خلق آخر من أخلاق المنافقين : وهو تعلّلهم على ما يعاملهم به النبي والمسلمون من الحذر ، وما يطّلعون عليه من فلتات نفاقهم ، يزعمون أن ذلك إرجاف من المرجفين بهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأنّه يصدّق القالة فيهم ، ويتّهمهم بما يبلغه عنهم ممّا هم منه برآء يعتذرون بذلك للمسلمين ، وفيه زيادة في الأذى للرسول صلىاللهعليهوسلم وإلقاء الشكّ في نفوس المسلمين في كمالات نبيئهم عليه الصلاة والسلام.
والتعبير بالنبيء إظهار في مقام الإضمار لأنّ قبله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة : ٥٨] فكان مقتضى الظاهر أن يقال : «ومنهم الذين يؤذونك» فعدل عن الإضمار إلى إظهار وصف النبي للإيذان بشناعة قولهم ولزيادة تنزيه النبي بالثناء عليه بوصف النبوءة بحيث لا تحكى مقالتهم فيه إلّا بعد تقديم ما يشير إلى تنزيهه والتعريض بجرمهم فيما قالوه.
وهؤلاء فريق كانوا يقولون في حق النبي صلىاللهعليهوسلم ما يؤذيه إذا بلغه. وقد عدّ من هؤلاء المنافقين ، القائلين ذلك : الجلاس بن سويد ، قبل توبته ، ونبتل بن الحارث ، وعتاب بن قشير ، ووديعة بن ثابت. فمنهم من قال : إن كان ما يقول محمّد حقّا فنحن شرّ من الحمير ، وقال بعضهم : نقول فيه ما شئنا ثم نذهب إليه ونحلف له أنّا ما قلنا فيقبل قولنا.
والأذى : الإضرار الخفيف ، وأكثر ما يطلق على الضرّ بالقول والدسائس ، ومنه قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) وقد تقدّم في سورة آل عمران [١١١] ، وعند قوله تعالى: (وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) في سورة الأنعام [٣٤].
ومضمون جملة : (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) عطف خاصّ على عامّ ، لأنّ قولهم ذلك هو