ثم أعقب الترغيب بالترهيب من عواقب إيذاء الرسول بقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وهو إنذار بعذاب الآخرة وعذاب الدنيا. وفي ذكر النبي بوصف (رَسُولَ اللهِ) إيماء إلى استحقاق مؤذيه العذاب الأليم ، فهو من تعليق الحكم بالمشتقّ المؤذن بالعلية.
وفي الموصول إيماء إلى أنّ علّة العذاب هي الإيذاء ، فالعلة مركبة.
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢))
عدل عن أسلوب الحكاية عنهم بكلمة ومنهم ، لأنّ ما حكي هنا حال من أحوال جميعهم.
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، لإعلام الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بأنّ المنافقين يحلفون الأيمان الكاذبة ، فلا تغرّهم أيمانهم ، فضمير يحلفون عائد إلى الذين يؤذون النبي.
والمراد : الحلف الكاذب ، بقرينة قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ، أي بتركهم الأمور التي حلفوا لأجلها ، على أنّه قد علم أنّ أيمانهم كاذبة ممّا تقدّم في قوله : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة : ٤٢].
فكاف الخطاب للمسلمين ، وذلك يدلّ على أنّ المنافقين يحلفون على التبرّي ، ممّا يبلغ المسلمين من أقوالهم المؤذية للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وذلك يغيظ المسلمين وينكرهم عليهم ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يغضي عن ذلك ، فلذلك قال الله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) أي أحقّ منكم بأن يرضوهما ، وسيأتي تعليل أحقّية الله ورسوله بأن يرضوهما في الآية التي بعدها فإرضاء الله بالإيمان به وبرسوله وتعظيم رسوله ، وإرضاء الرسول بتصديقه ومحبّته وإكرامه.
وإنّما أفرد الضمير في قوله : (أَنْ يُرْضُوهُ) مع أنّ المعاد اثنان لأنّه أريد عود الضمير إلى أول الاسمين ، واعتبار العطف من عطف الجمل بتقدير : والله أحقّ أن يرضوه ورسوله كذلك ، فيكون الكلام جملتين ثانيتهما كالاحتراس وحذف الخبر إيجاز. ومن نكتة ذلك