الإشارة إلى التفرقة بين الإرضاءين ، ومنه قول ضابئ بن الحارث :
ومن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّار بها لغريب |
التقدير : فإنّي لغريب وقيار بها غريب أيضا. لأنّ إحدى الغربتين مخالفة لأخراهما.
والضمير المنصوب في (يُرْضُوهُ) عائد إلى اسم الجلالة ، لأنّه الأهمّ في الخبر ، ولذلك ابتدئ به ، ألا ترى أنّ بيت ضابئ قد جاء في خبره المذكور لام الابتداء الذي هو من علائق (إنّ) الكائنة في الجملة الأولى ، دون الجملة الثانية ، وهذا الاستعمال هو الغالب.
وشرط (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) ، مستعمل للحثّ والتوقّع لإيمانهم ، لأنّ ما حكي عنهم من الأحوال لا يبقى معه احتمال في إيمانهم ، فاستعمل الشرط للتّوقع وللحثّ على الإيمان. وفيه أيضا تسجيل عليهم ، إن أعادوا مثل صنيعهم ، بأنّهم كافرون بالله ورسوله ، وفيه تعليم للمؤمنين وتحذير من غضب الله ورسوله.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣))
هذه الجملة تتنزل من جملة (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] منزلة التعليل ، لأنّ العاقل لا يرضى لنفسه عملا يؤول به إلى مثل هذا العذاب ، فلا يقدم على ذلك إلّا من لا يعلم أنّ من يحادد الله ورسوله يصير إلى هذا المصير السيّئ.
والاستفهام مستعمل في الإنكار والتشنيع ، لأنّ عدم علمهم بذلك محقّق بضرورة أنّهم كافرون بالرسول ، وبأنّ رضى الله عند رضاه ولكن لمّا كان عدم علمهم بذلك غريبا لوجود الدلائل المقتضية أنّه ممّا يحقّ أن يعلموه ، كان حال عدم العلم به حالا منكرا. وقد كثر استعمال هذا ونحوه في الإعلام بأمر مهمّ ، كقوله في هذه السورة : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [التوبة : ١٠٤] وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [التوبة : ٧٨] وقول مويال بن جهم المذحجي ، أو مبشر بن هذيل الفزاري :
ألم تعلمي يا عمرك الله أنّني |
|
كريم على حين الكرام قليل |
فكأنّه قيل : فليعلموا أنّه من يحادد الله إلخ.
والضمير المنصوب ب (أَنَّهُ) ضمير الشأن ، وفسّر الضمير بجملة (مَنْ يُحادِدِ اللهَ)