الآتي (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) [التوبة : ٧٤] وهذا من لطائف القرآن.
(إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ).
جاءت هذه الجملة على عادة القرآن في تعقيب النذارة بالتبشير للراغب في التوبة تذكيرا له بإمكان تدارك حاله.
ولمّا كان حال المنافقين عجيبا كانت البشارة لهم مخلوطة ببقية النذارة ، فأنبأهم أنّ طائفة منهم قد يعفى عنها إذا طلبت سبب العفو : بإخلاص الإيمان ، وأنّ طائفة تبقى في حالة العذاب ، والمقام دالّ على أنّ ذلك لا يكون عبثا ولا ترجيحا بدون مرجّح ، فما هو إلّا أنّ طائفة مرجوّة الإيمان ، فيغفر عمّا قدّمته من النفاق ، وأخرى تصرّ على النفاق حتّى الموت ، فتصير إلى العذاب. والآيات الواردة بعد هذه تزيد ما دلّ عليه المقام وضوحا من قوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) ـ إلى قوله ـ (عَذابٌ مُقِيمٌ) [التوبة : ٦٧ ، ٦٨]. وقوله بعد ذلك : (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [التوبة : ٧٤].
وقد آمن بعض المنافقين بعد نزول هذه الآية ، وذكر المفسّرون من هذه الطائفة مخشيّا (١) بن حميّر الأشجعي لمّا سمع هذه الآية تاب من النفاق ، وحسن إسلامه ، فعدّ من الصحابة ، وقد جاهد يوم اليمامة واستشهد فيه ، وقد قيل : إنّه المقصود «بالطائفة» دون غيره فيكون من باب إطلاق لفظ الجماعة على الواحد في مقام الإخفاء والتعمية كقولهصلىاللهعليهوسلم «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله». وقد توفي رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وفي المدينة بقية من المنافقين وكان عمر بن الخطاب في خلافته يتوسّمهم.
والباء في (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) للسببية ، والمجرم الكافر.
وقرأ الجمهور يعف وتعذب ببناء الفعلين إلى النائب ، وقرأه عاصم ـ بالبناء للفاعل وبنون العظمة في الفعلين ونصب (طائِفَةٍ) الثاني.
(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
__________________
(١) بميم مفتوحة وخاء معجمة ساكنة وياء مشددة ، وحمير بحاء مهملة مضمومة وميم مفتوحة وتحتية مشددة. وفي «سيرة ابن إسحاق» ومخشن بنون من آخره وبفتح الشين وقد ذكر اسمه آنفا عند تفسير قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة : ٦٥].