ومعنى (هِيَ حَسْبُهُمْ) أنّها ملازمة لهم. وأصل حسب أنّه بمعنى الكافي ، ولمّا كان الكافي يلازمه المكفي كني به هنا عن الملازمة ، ويجوز أن يكون حسب على أصله ويكون ذكره في هذا المقام تهكما بهم ، كأنّهم طلبوا النعيم ، فقيل : حسبهم نار جهنم.
واللعن : الإبعاد عن الرحمة والتحقير والغضب.
والعذاب المقيم : إن كان المراد به عذاب جهنّم فهو تأكيد لقوله : (خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ) لدفع احتمال إطلاق الخلود على طول المدّة ، وتأكيد للكناية في قوله : (هِيَ حَسْبُهُمْ) وإن كان المراد به عذابا آخر تعيّن أنّه عذاب في الدنيا وهي عذاب الخزي والمذلّة بين الناس.
وفي هذه الآية زيادة تقرير لاستحقاق المنافقين العذاب ، وأنّهم الطائفة التي تعذب إذا بقوا على نفاقهم ، فتعيّن أنّ الطائفة المعفو عنها هم الذين يؤمنون منهم.
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩))
قيل هذا الخطاب التفات ، عن ضمائر الغيبة الراجعة إلى المنافقين ، إلى خطابهم لقصد التفريع والتهديد بالموعظة ، والتذكير عن الغرور بما هم فيه من نعمة الإمهال بأنّ آخر ذلك حبط الأعمال في الدنيا والآخرة ، وأن يحقّ عليهم الخسران.
فكاف التشبيه في موضع الخبر عن مبتدأ محذوف دلّ عليه ضمير الخطاب ، تقديره : أنتم كالذين من قبلكم ، أو الكاف في موضع نصب بفعل مقدّر ، أي : فعلتم كفعل الذين من قبلكم ، فهو في موضع المفعول المطلق الدالّ على فعله ، ومثله في حذف الفعل والإتيان بما هو مفعول الفعل المحذوف قول النمر بن تولب :
حتّى إذا الكلّاب قال لها |
|
كاليوم مطلوبا ولا طالبا |
أراد : لم أر كاليوم ، إلّا أنّ عامل النصب مختلف بين الآية والبيت.
وقيل هذا من بقية المقول المأمور بأن يبلغه النبي صلىاللهعليهوسلم إيّاهم من قوله : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) [التوبة : ٦٥] الآية. فيكون ما بينهما اعتراضا بقوله :