فأمر بأن يتخلّى عن جبلّته في حقّ الكفار والمنافقين وأن لا يغضي عنهم كما كان شأنه من قبل.
وهذه الآية تقتضي نسخ إعطاء الكفار المؤلّفة قلوبهم على الإسلام وإنّما يبقى ذلك للداخلين في الإسلام حديثا.
وجملة : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) تذييل. وتقدّم نظيره مرات. والمأوى ما يأوي إليه المرء من المكان ، أي يرجع إليه.
والمصير المكان الذي يصير إليه المرء ، أي يرجع فالاختلاف بينه وبين المأوى بالاعتبار ، والجمع بينهما هنا تفنّن.
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤))
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).
لمّا كان معظم ما أخذ على المنافقين هو كلمات دالّة على الطعن في الرسولصلىاللهعليهوسلم ونحو ذلك من دلائل الكفر وكانوا إذا نقل ذلك عنهم تنصّلوا منه بالأيمان الكاذبة ، عقّبت آية الأمر بجهادهم بالتنبيه على أنّ ما يتنصّلون به تنصل كاذب وأن لا ثقة بحلفهم ، وعلى إثبات أنّهم قالوا ما هو صريح في كفرهم. فجملة (يَحْلِفُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا يثيره الأمر بجهادهم مع مشاهدة ظاهر أحوالهم من التنصّل ممّا نقل عنهم ، إن اعتبر المقصود من الجملة تكذيبهم في حلفهم.
وقد تكون الجملة في محلّ التعليل للأمر بالجهاد إن اعتبر المقصود منها قوله : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) وما بعده ، وأن ذلك إنّما أخّر للاهتمام بتكذيب أيمانهم ابتداء ، وأتي بالمقصود في صورة جملة حاليّة. ومعلوم أنّ القيد هو المقصود من الكلام المقيّد. ويرجّح هذا أنّ معظم ما في الجملة هو شواهد كفرهم ونقضهم عهد الإسلام ، إذ لو كان المقصود خصوص تكذيبهم فيما حلفوا لاقتصر على إثبات مقابله وهو (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ