فهو داخل في عمل (وَاعْلَمُوا) فمقصود منه وعيه والعلم به كما تقدم آنفا.
وكان ذكر (الْكافِرِينَ) إخراجا على خلاف مقتضى الظاهر : لأنّ مقتضى الظاهر أن يقول : وإنّ الله مخزيكم ، ووجه تخريجه على الإظهار الدلالة على سببية الكفر في الخزي.
والإخزاء : الإذلال. والخزي ـ بكسر الخاء ـ الذلّ والهوان ، أي مقدّر للكافرين الإذلال : بالقتل ، والأسر ، وعذاب الآخرة ، ما داموا متلبّسين بوصف الكفر.
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣))
(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ).
عطف على جملة (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ١] وموقع لفظ (أَذانٌ) كموقع لفظ (بَراءَةٌ) [التوبة : ١] في التقدير ، وهذا إعلام للمشركين الذين لهم عهد بأنّ عهدهم انتقض.
والأذان اسم مصدر آذنه ، إذا أعلمه بإعلان ، مثل العطاء بمعنى الإعطاء ، والأمان بمعنى الإيمان ، فهو بمعنى الإيذان.
وإضافة الأذان إلى الله ورسوله دون المسلمين ، لأنّه تشريع وحكم في مصالح الأمّة ، فلا يكون إلّا من الله على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم وهذا أمر للمسلمين بأن يأذنوا المشركين بهذه البراءة ، لئلا يكونوا غادرين ، كما قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [الأنفال : ٥٨]. والمراد بالناس جميع الناس من مؤمنين ومشركين لأن العلم بهذا النداء يهمّ الناس كلّهم.
ويوم الحجّ الأكبر : قيل هو يوم عرفة ، لأنّه يوم مجتمع الناس في صعيد واحد ، وهذا يروى عن عمر ، وعثمان ، وابن عباس ، وطاوس ، ومجاهد ، وابن سيرين. وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وفي الحديث : «الحج عرفة».
وقيل : هو يوم النحر ، لأنّ الناس كانوا في يوم موقف عرفة مفترقين إذ كانت الحمس يقفون بالمزدلفة ، ويقف بقية الناس بعرفة ، وكانوا جميعا يحضرون منى يوم النحر ، فكان ذلك الاجتماع الأكبر ، ونسب ابن عطية هذا التعليل إلى منذر بن سعيد ، وهذا قول علي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، وابن عباس أيضا ، وابن أبي أوفى ،