بيّن له أنّ ما توهّمه ليس كما توهّمه ، فيكون المعنى أنّهم أسلموا وبقوا يرتكبون المعاصي خلاف حال أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وقد يومئ إلى هذا تنكير (نِفاقاً) المفيد أنّه نفاق جديد وإلّا فقد ذكروا منافقين فكيف يكون النفاق حاصلا لهم عقب فعلهم هذا.
واللقاء مصادفة الشيء شيئا في مكان واحد. فمعنى إلى يوم يلقونه إلى يوم الحشر لأنّه يوم لقاء الله للحساب ، أو إلى يوم الموت لأنّ الموت لقاء الله كما في الحديث «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه» ، وفسّره بأنّه محبّة تعرض للمؤمن عند الاحتضار. وقال بعض المتقدّمين من المتكلّمين : إنّ اللقاء يقتضي الرؤية ، فاستدلّ على ثبوت رؤية الله تعالى بقوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) من سورة الأحزاب [٤٤] فنقض عليهم الجبّائي بقول : (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) في هذه الآية فإنّ الاتّفاق على أنّ المنافقين لا يرون الله. وقد تصدّى الفخر لإبطال النقض بما يصيّر الاستدلال ضعيفا ، والحقّ أنّ اللقاء لا يستلزم الرؤية. وقد ذكر في «نفح الطيب» في ترجمة أبي بكر بن العربي قصة في الاستدلال بآية الأحزاب على بعض معتزلة الحنابلة ونقض الحنبلي المعتزلي عليه بهذه الآية.
والباء للسببية أو للتعليل ، أي بسبب إخلافهم وعد ربّهم وكذبهم.
وعبّر عن كذبهم بصيغة (كانُوا يَكْذِبُونَ) لدلالة كان على أنّ الكذب كائن فيهم ومتمكّن منهم ودلالة المضارع على تكرّره وتجدّده.
وفي هذا دلالة على وجوب الحذر من إحداث الأفعال الذميمة فإنّها تفسد الأخلاق الصالحة ويزداد الفساد تمكّنا من النفس بطبيعة التولّد الذي هو ناموس الوجود.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨))
استئناف لأجل التقرير. والكلام تقرير للمخاطب عنهم لأنّ كونهم عالمين بذلك معروف لدى كلّ سامع. والسر ما يخفيه المرء من كلام وما يضمر في نفسه فلا يطلع عليه الناس وتقدم في قوله (سِرًّا وَعَلانِيَةً) في سورة البقرة [٢٧٤].
والنجوى : المحادثة بخفاء أي يعلم ما يضمرونه في أنفسهم وما يتحادثون به حديث سر لئلا يطلع عليه غيرهم.