وإنّما عطفت النجوى على السرّ مع أنّه أعمّ منها لينبئهم باطّلاعه على ما يتناجون به من الكيد والطعن.
ثم عمّم ذلك بقوله : (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي قوي علمه لجميع الغيوب.
والغيوب : جمع غيب وهو ما خفي وغاب عن العيان. وتقدّم قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) في سورة البقرة [٣].
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩))
استئناف ابتدائي ، نزلت بسبب حادث حدث في مدّة نزول السورة ، ذلك أن النبيصلىاللهعليهوسلم حثّ الناس على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم ، وجاء عاصم بن عدي بأوسق كثيرة من تمر ، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر ، فقال المنافقون : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلّا رياء وأحبّ أبو عقيل أن يذكّر بنفسه ليعطى من الصدقات فأنزل الله فيهم هذه الآية.
فالذين يلمزون مبتدأ وخبره جملة (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ).
واللمز : الطعن. وتقدّم في هذه السورة في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة : ٥٨]. وقرأه يعقوب ـ بضمّ الميم ـ كما قرأ قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة : ٥٨].
و (الْمُطَّوِّعِينَ) أصله المتطوّعين ، أدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما.
و (فِي) للظرفية المجازية بجعل سبب اللمز كالظرف للمسبّب.
وعطف الذين لا يجدون إلّا جهدهم على المطوعين وهم منهم ، اهتماما بشأنهم والجهد ـ بضمّ الجيم ـ الطاقة. وأطلقت الطاقة على مسبّبها الناشئ عنها.
وحذف مفعول (يَجِدُونَ) لظهوره من قوله : (الصَّدَقاتِ) أي لا يجدون ما يتصدّقون به إلّا جهدهم.
والمراد لا يجدون سبيلا إلى إيجاد ما يتصدّقون به إلّا طاقتهم ، أي جهد أبدانهم. أو يكون وجد هنا هو الذي بمعنى كان ذا جدة ، أي غنى فلا يقدر له مفعول ، أي الذين