والسورة طائفة معينة من آيات القرآن لها مبدأ ونهاية وقد مضى الكلام عليها آنفا وقبيل هذا.
ولمّا كانت السورة ألفاظا وأقوالا صحّ بيانها ببعض ما حوته وهو الأمر بالإيمان والجهاد فقوله : (أَنْ آمِنُوا بِاللهِ) تفسير للسورة و (أَنْ) فيه تفسيرية كالتي في قوله تعالى حكاية عن عيسى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ١١٧] ويجوز تفسير الشيء ببعضه شبه بدل البعض من الكلّ.
وليس المراد لفظ (آمِنُوا) وما عطف عليه بل ما يراد فهما مثل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [التوبة : ٣٨] الآيات وقوله : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) [التوبة : ٤٤].
والطّول : السعة في المال قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) [النساء : ٢٥] وقد تقدّم. والاقتصار على الطّول يدلّ على أنّ أولي الطول مراد بهم من له قدرة على الجهاد بصحة البدن. فبوجود الطول انتفى عذرهم إذ من لم يكن قادرا ببدنه لا ينظر إلى كونه ذا طول كما يدلّ عليه قوله بعد (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) [التوبة : ٩١].
والمراد بأولي الطول أمثال عبد الله بن أبيّ بن سلول ، ومعتّب بن قشير ، والجدّ بن قيس.
وعطف (وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) على (اسْتَأْذَنَكَ) لما بينهما من المغايرة في الجملة بزيادة في المعطوف لأن الاستئذان مجمل ، وقولهم المحكي فيه بيان ما استأذنوا فيه وهو القعود. وفي نظمه إيذان بتلفيق معذرتهم وأنّ الحقيقة هي رغبتهم في القعود ولذلك حكي قولهم بأن ابتدئ ب (ذَرْنا) المقتضي الرغبة في تركهم بالمدينة. وبأن يكونوا تبعا للقاعدين الذين فيهم العجّز والضعفاء والجبناء ، لما تؤذن به كلمة (مَعَ) من الإلحاق والتبعية.
وقد تقدّم أن (ذر) أمر من فعل ممات وهو (وذر) استغنوا عنه بمرادفه وهو (ترك) في قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) في سورة الأنعام [٧٠].
(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧))