برفع (قيار) لأنّه أراد أن يجعل غربة جمله المسمّى «قيارا» غربة أخرى غير تابعة لغربته.
وممّا يجب التنبيه له : ما في بعض التفاسير أنّه روى عن الحسن قراءة (وَرَسُولِهِ) ـ بالجرّ ـ ولم يصحّ نسبتها إلى الحسن ، وكيف يتصور جرّ (وَرَسُولِهِ) ولا عامل بمقتضي جرّه ، ولكنّها ذات قصة طريفة : أنّ أعرابيا سمع رجلا قرأ (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ـ بجرّ ورسوله ـ فقال الأعرابي : إن كان الله بريئا من رسوله فأنا منه بريء. وإنّما أراد التورّك على القارئ ، فلبّبه الرجل إلى عمر ، فحكى الأعرابي قراءته فعندها أمر عمر بتعلّم العربية ، وروي ـ أيضا ـ أنّ أبا الأسود الدؤلي سمع ذلك فرفع الأمر إلى علي. فكان ذلك سبب وضع النحو ، وقد ذكرت هذه القصة في بعض كتب النحو في ذكر سبب وضع علم النحو.
وهذا الأذان قد وقع في الحجّة التي حجّها أبو بكر بالناس ، إذ ألحق رسول الله عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر ، موافيا الموسم ليؤذّن ببراءة ، فأذن بها علي يوم النحر بمنى ، من أولها إلى ثلاثين أو أربعين آية (١) منها ، كذا ثبت في الصحيح والسنن بطرق مختلفة يزيد بعضها على بعض. ولعلّ قوله : «أو أربعين آية» شكّ من الراوي ، فما
ورد في رواية النسائي ، أي عن جابر : أنّ عليا قرأ على الناس براءة حتّى ختمها ، فلعلّ معناه حتّى ختم ما نزل منها ممّا يتعلّق بالبراءة من المشركين ، لأنّ سورة براءة لم يتم نزولها يومئذ ، فقد ثبت أنّ آخر آية نزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم هي آخر آية من سورة براءة.
وإنّما ألحق النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب بأبي بكر الصديق ، لأنّه قيل لرسول الله إنّ العرب لا يرون أن ينقض أحد عهده مع من عاهده إلّا بنسفه أو برسول من ذي قرابة نسبه ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يترك للمشركين عذرا في علمهم بنبذ العهد الذي بينه وبينهم.
وروي : أنّ عليا بعث أبا هريرة يطوف في منازل قبائل العرب من منى ، يصيح بآيات براءة حتى صحل صوته. وكان المشركون إذا سمعوا ذلك يقولون لعلي «سترون بعد الأربعة الأشهر فإنّه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلّا الطعن والضرب».
__________________
(١) تنتهي الثلاثون آية عند قوله تعالى : قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ وتنتهي الأربعون آية عند قوله تعالى : وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة : ٤٠].