محذوف أي حزنوا لأنهم لا يجدون ما ينفقون.
والآية نزلت في نفر من الأنصار سبعة وقيل : فيهم من غير الأنصار واختلف أيضا في أسمائهم بما لا حاجة إلى ذكره ولقّبوا بالبكّائين لأنّهم بكوا لمّا لم يجدوا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحملان حزنا على حرمانهم من الجهاد. وقيل : نزلت في أبي موسى الأشعري ورهط من الأشعريين أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك يستحملونه فلم يجد لهم حمولة وصادفوا ساعة غضب من النبي صلىاللهعليهوسلم فحلف أن لا يحملهم ثم جاءه نهب إبل فدعاهم وحملهم وقالوا : استغفلنا رسول الله يمينه لا نفلح أبدا ، فرجعوا وأخبروه فقال : «ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم وإنّي والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلّا كفّرت عن يميني وفعلت الذي هو خير» والظاهر أنّ هؤلاء غير المعنيين في هذه الآية لأنّ الأشعريين قد حملهم النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعن مجاهد أنّهم بنو مقرّن من مزينة ، وهم الذين قيل : إنّه نزل فيهم قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٩٩] الآية.
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣))
لما نفت الآيتان السابقتان أن يكون سبيل على المؤمنين الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون والذين لم يجدوا حمولة ، حصرت هذه الآية السبيل في كونه على الذين يستأذنون في التخلف وهم أغنياء ، وهو انتقال بالتخلص إلى العودة إلى أحوال المنافقين كما دل عليه قوله بعد (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) [التوبة : ٩٤] ، فالقصر إضافي بالنسبة للأصناف الذين نفي أن يكون عليهم سبيل.
وفي هذا الحصر تأكيد للنفي السابق ، أي لا سبيل عقاب إلا على الذين يستأذنونك وهم أغنياء. والمراد بهم المنافقون بالمدينة الذين يكرهون الجهاد إذ لا يؤمنون بما وعد الله عليه من الخيرات وهم أولو الطول المذكورون في قوله : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ) [التوبة : ٨٦] الآية.
والسبيل : حقيقته الطريق. ومرّ في قوله : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة : ٩١]. وقوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) مستعار لمعنى السلطان والمؤاخذة بالتبعة ، شبه السلطان والمؤاخذة بالطريق لأن السلطة يتوصل بها من هي له إلى