علم المسلمون أن ما لا يرضي الله لا يكون للمسلمين أن يرضوا به.
والقوم الفاسقون هم هؤلاء المنافقون. والعدول عن الإتيان بضمير (هم) إلى التعبير بصفتهم للدلالة على ذمهم وتعليل عدم الرضى عنهم ، فالكلام مشتمل على خبر وعلى دليله فأفاد مفاد كلامين لأنه ينحلّ إلى : فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عنهم لأن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين.
(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧))
استئناف ابتدائي رجع به الكلام إلى أحوال المعذّرين من الأعراب والذين كذبوا الله ورسوله منهم ، وما بين ذلك استطراد دعا إليه قرن الذين كذبوا الله ورسوله في الذكر مع الأعراب. فلما تقضّى الكلام على أولئك تخلص إلى بقية أحوال الأعراب. وللتنبيه على اتصال الغرضين وقع تقديم المسند إليه ، وهو لفظ (الأعراب) للاهتمام به من هذه الجهة ، ومن وراء ذلك تنبيه المسلمين لأحوال الأعراب لأنهم لبعدهم عن الاحتكاك بهم والمخالطة معهم قد تخفى عليهم أحوالهم ويظنون بجميعهم خيرا.
و (أشد) و (أجدر) اسما تفضيل ولم يذكر معهما ما يدل على مفضل عليه ، فيجوز أن يكونا على ظاهرهما فيكون المفضل عليه أهل الحضر ، أي كفار ومنافقي المدينة. وهذا هو الذي تواطأ عليه جميع المفسرين.
وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار ومنافقي المدينة. ومنافقوهم أشد نفاقا من منافقي المدينة. وهذا الازدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم ، أي كفرهم أمكن في النفوس من كفر كفار المدينة ، ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك ، أي أمكن في جانب الكفر منه والبعد عن الإقلاع عنه وظهور بوادر الشر منهم ، وذلك أن غلظ القلوب وجلافة الطبع تزيد النفوس السيئة وحشة ونفورا. ألا تعلم أن ذا الخويصرة التميمي ، وكان يدعى الإسلام ، لما رأى النبي صلىاللهعليهوسلم أعطى الأقرع بن حابس ومن معه من صناديد العرب من ذهب قسمه قال ذو الخويصرة مواجها النبي صلىاللهعليهوسلم «اعدل» فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم «ويحك ومن يعدل إن لم أعدل».
فإن الأعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل العقول المستقيمة وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأملأ بالأوهام ، وهم لبعدهم عن مشاهدة أنوار