كامن فيهم من الكفر. وقد أنبأ الله بحالهم التي ظهرت عقب وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم وهم أهل الردة من العرب.
وجملة : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) دعاء عليهم وتحقير ، ولذلك فصلت. والدعاء من الله على خلقه : تكوين وتقدير مشوب بإهانة لأنه لا يعجزه شيء فلا يحتاج إلى تمني ما يريده. وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) في سورة البقرة [٨٩].
وقد كانت على الأعراب دائرة السوء إذ قاتلهم المسلمون في خلافة أبي بكر عام الردة وهزموهم فرجعوا خائبين. وإضافة (دائِرَةُ) إلى (السَّوْءِ) من الإضافة إلى الوصف اللازم كقولهم : عشاء الآخرة. إذ الدائرة لا تكون إلا في السوء. قال أبو علي الفارسي : لو لم تضف الدائرة إلى السوء عرف منها معنى السوء لأن دائرة الدهر لا تستعمل إلا في المكروه. ونظيره إضافة السوء إلى ذئب في قول الفرزدق :
فكنت كذئب السّوء حين رأى دما |
|
بصاحبه يوما أحال على الدم |
إذ الذئب متمحض للسوء إذ لا خير فيه للناس. والسّوء ـ بفتح السين ـ المصدر ، وبضمها الاسم. وقد قرأ الجمهور بفتح السين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحدهما بضم السين. والمعنى واحد.
وجملة : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) تذييل ، أي سميع ما يتناجون به وما يدبرونه من الترصد ، عليم بما يبطنونه ويقصدون إخفاءه.
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩))
هؤلاء هم المؤمنون من الأعراب وفّاهم الله حقهم من الثناء عليهم ، وهم أضداد الفريقين الآخرين المذكورين في قوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) [التوبة : ٩٧] ـ وقوله ـ (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) [التوبة : ٩٧]. قيل : هم بنو مقرّن من مزينة الذين نزل فيهم قوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) [التوبة : ٩٢] الآية كما تقدم. ومن هؤلاء عبد الله ذو البجادين المزني ـ هو ابن مغفل ـ. والإنفاق هنا هو الإنفاق هناك. وتقدم قريبا معنى (يَتَّخِذُ).