(فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
التفريع على جملة : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، فيتفرّع على ذلك حالتان : حالة التوبة ، وحالة التولي.
والخطاب للمشركين الذين أوذنوا بالبراءة ، والمعنى : فإن آمنتم فالإيمان خير لكم من العهد الذي كنتم عليه ، لأنّ الإيمان فيه النجاة في الدنيا والآخرة ، والعهد فيه نجاة الدنيا لا غير. والمراد بالتولي : الإعراض عن الإيمان. وأريد بفعل (تَوَلَّيْتُمْ) معنى الاستمرار ، أي : إن دمتم على الشرك فاعلموا أنكم غير مفلتين من قدرة الله ، أي اعلموا أنّكم قد وقعتم في مكنة الله ، وأوشكتم على العذاب.
وجملة : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) معطوفة على جملة : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) لما تتضمّنه تلك الجملة من معنى الأمر ، فكأنّه قيل : فآذنوا الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين ، وبأنّ من تاب منهم فقد نجا ومن أعرض فقد أوشك على العذاب ، ثم قال : وبشر المعرضين المشركين بعذاب أليم.
و (البشارة) أصلها الإخبار بما فيه مسرّة ، وقد استعيرت هنا للإنذار ، وهو الإخبار بما يسوء ، على طريقة التهكّم ، كما تقدّم في قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) في سورة آل عمران [٢١].
والعذاب الأليم : هو عذاب القتل ، والأسر ، والسبي ، وفيء الأموال ، كما قال تعالى : (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) [التوبة : ٢٦] فإنّ تعذيبهم يوم حنين بعضه بالقتل ، وبعضه بالأسر والسبي وغنم الأموال ، أي : أنذر المشركين بأنّك مقاتلهم وغالبهم بعد انقضاء الأشهر الحرم ، كما يدلّ عليه قوله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] الآية.
(إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤))
استثناء من المشركين في قوله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٣] ، ومن (الَّذِينَ كَفَرُوا) في قوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [التوبة : ٣] لأنّ شأن الاستثناء