و (قُرُباتٍ) ـ بضم القاف وضم الراء ـ : جمع قربة بسكون الراء. وهي تطلق بمعنى المصدر ، أي القرب وهو المراد هنا ، أي يتخذون ما ينفقون تقربا عند الله. وجمع قربات باعتبار تعدد الإنفاق ، فكل إنفاق هو قربة عند الله لأنه يوجب زيادة القرب. قال تعالى : (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) [الإسراء : ٥٧]. ف (قُرُباتٍ) هنا مجاز مستعمل في رضى الله ورفع الدرجات في الجنة ، فلذلك وصفت ب (عِنْدَ) الدالة على مكان الدنو. و (عند) مجاز في التشريف والعناية ، فإن الجنة تشبّه بدار الكرامة عند الله. قال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٤ ، ٥٥].
و (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) دعواته. وأصل الصلاة الدعاء. وجمعت هنا لأن كل إنفاق يقدمونه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم يدعو لهم بسببه دعوة ، فبتكرر الإنفاق تتكرر الصلاة. وكان النبيصلىاللهعليهوسلم يصلي على كل من يأتيه بصدقته وإنفاقه امتثالا لما أمره الله بقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٣]. وجاء في حديث ابن أبي أوفى أنه لما جاء بصدقته قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم صل على آل أبي أوفى».
ويجوز عطف (صَلَواتِ الرَّسُولِ) على اسم الجلالة معمولا ل (عِنْدَ) ، أي يتخذون الإنفاق قربة عند صلوات الرسول ، أي يجعلونه تقربا كائنا في مكان الدنو من صلوات الرسول تشبيها للتسبب في الشيء بالاقتراب منه ، أي يجعلون الإنفاق سببا لدعاء الرسول لهم. فظرف (عند) مستعمل في معنيين مجازيين. ويجوز أن يكون (وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) عطفا على (قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) ، أي يتخذ ما ينفق دعوات الرسول. أخبر عن الإنفاق باتخاذه دعوات الرسول لأنه يتوسل بالإنفاق إلى دعوات الرسول إذ أمر بذلك في قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٣].
وجملة : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) مستأنفة مسوقة مساق البشارة لهم بقبول ما رجوه. وافتتحت الجملة بحرف الاستفتاح للاهتمام بها ليعيها السامع ، وبحرف التأكيد لتحقيق مضمونها ، والضمير الواقع اسم (إنّ) عائد إلى ما (ينفق) باعتبار النفقات. واللام للاختصاص ، أي هي قربة لهم ، أي عند الله وعند صلوات الرسول. وحذف ذلك لدلالة سابق الكلام عليه. وتنكير (قُرْبَةٌ) لعدم الداعي إلى التعريف ، ولأن التنكير قد يفيد التعظيم.
وجملة : (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) واقعة موقع البيان لجملة (إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) ، لأن القربة عند الله هي الدرجات العلى ورضوانه ، وذلك من الرحمة. والقربة عند صلوات