وقد خالفت هذه الآية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها (من) مع (تحتها) في غالب المصاحف وفي رواية جمهور القراء ، فتكون خالية من التأكيد إذ ليس لحرف (من) معنى مع أسماء الظروف إلا التأكيد ، ويكون خلو الجملة من التأكيد لحصول ما يغني عنه من إفادة التقوي بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي ، ومن فعل (أعد) المؤذن بكمال العناية فلا يكون المعد إلا أكمل نوعه.
وثبتت (من) في مصحف مكة ، وهي قراءة ابن كثير المكي ، فتكون مشتملة على زيادة مؤكدين.
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))
كانت الأعراب الذين حول المدينة قد خلصوا للنبي صلىاللهعليهوسلم وأطاعوه وهم جهينة ، وأسلم ، وأشجع ، وغفار ، ولحيان ، وعصية ، فأعلم الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن في هؤلاء منافقين لئلا يغتر بكل من يظهر له المودة.
وكانت المدينة قد خلص أهلها للنبي صلىاللهعليهوسلم وأطاعوه فأعلمه الله أن فيهم بقية مردوا على النفاق لأنه تأصل فيهم من وقت دخول الإسلام بينهم.
وتقديم المجرور للتنبيه على أنه خبر ، لا نعت. و (من) في قوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) للتبعيض و (من) في قوله : (مِنَ الْأَعْرابِ) لبيان (من) الموصولة.
و (من) في قوله : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) اسم بمعنى بعض. و (مَرَدُوا) وخبر عنه ، أو تجعل (من) تبعيضية مؤذنة بمبعض محذوف ، تقديره : ومن أهل المدينة جماعة مردوا ، كما في قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) في سورة النساء [٤٦]. ومعنى مرد على الأمر مرن عليه ودرب به ، ومنه الشيطان المارد ، أي في الشيطنة.
وأشير بقوله : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) إلى أن هذا الفل الباقي من المنافقين قد أراد الله الاستيثار بعلمه ولم يطلع عليهم رسوله صلىاللهعليهوسلم كما أطلعه على كثير من المنافقين من قبل. وإنما أعلمه بوجودهم على الإجمال لئلا يغتر بهم المسلمون ، فالمقصود هو قوله : (لا تَعْلَمُهُمْ).
وجملة (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) مستأنفة. والخبر مستعمل في الوعيد ، كقوله : (وَسَيَرَى اللهُ