عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٩٤] ، وإلا فإن الحكم معلوم للمخاطب فلا يحتاج إلى الإخبار به. وفيه إشارة إلى عدم الفائدة للرسول صلىاللهعليهوسلم في علمه بهم ، فإن علم الله بهم كاف. وفيه أيضا تمهيد لقوله بعده (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ).
وجملة : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) استيناف بياني للجواب عن سؤال يثيره قوله : (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ، وهو أن يسأل سائل عن أثر كون الله تعالى يعلمهم. فأعلم أنه سيعذبهم على نفاقهم ولا يفلتهم منه عدم علم الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهم. والعذاب الموصوف بمرتين عذاب في الدنيا لقوله بعده (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ).
وقد تحير المفسرون في تعيين المراد من المرتين. وحملوه كلهم على حقيقة العدد. وذكروا وجوها لا ينشرح لها الصدر. والظاهر عندي أن العدد مستعمل لمجرد قصد التكرير المفيد للتأكيد كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤] أي تأمل تأملا متكررا. ومنه قول العرب : لبيك وسعديك ، فاسم التثنية نائب مناب إعادة اللفظ. والمعنى : سنعذبهم عذابا شديدا متكررا مضاعفا ، كقوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠]. وهذا التكرر تختلف أعداده باختلاف أحوال المنافقين واختلاف أزمان عذابهم.
والعذاب العظيم : هو عذاب جهنم في الآخرة.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢))
الأظهر أن جملة : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا) عطف على جملة : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) [التوبة : ١٠١] ، أي وممن حولكم من الأعراب منافقون ، ومن أهل المدينة آخرون أذنبوا بالتخلف فاعترفوا (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) بذنوبهم بالتقصير. فقوله : إيجاز لأنه يدل على أنهم أذنبوا واعترفوا بذنوبهم ولم يكونوا منافقين لأن التعبير بالذنوب بصيغة الجمع يقتضي أنها أعمال سيئة في حالة الإيمان ، وكذلك التعبير عن ارتكاب الذنوب بخلط العمل الصالح بالسيّئ.
وكان من هؤلاء جماعة منهم الجد بن قيس ، وكردم ، وأرس بن ثعلبة ، ووديعة بن حزام ، ومرداس ، وأبو قيس ، وأبو لبابة في عشرة نفر اعترفوا بذنبهم في التخلف عن غزوة تبوك وتابوا إلى الله وربطوا أنفسهم في سوارى المسجد النبوي أياما حتى نزلت هذه الآية في توبة الله عليهم.