في الأمور.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو جعفر ويعقوب (صَلاتَكَ) بصيغة الجمع. وقرأه حفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف (صَلاتَكَ) بصيغة الإفراد. والقراءتان سواء ، لأن المقصود جنس صلاته عليه الصلاة والسلام. فمن قرأ بالجمع أفاد جميع أفراد الجنس بالمطابقة لأن الجمع المعرف بالإضافة يعم ، ومن قرأ بالإفراد فهمت أفراد الجنس بالالتزام.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
إن كان الذين اعترفوا بذنوبهم وعرضوا أموالهم للصدقة قد بقي في نفوسهم اضطراب من خوف أن لا تكون توبتهم مقبولة وأن لا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام قد رضي عنهم وكان قوله : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [التوبة : ١٠٣] مشيرا إلى ذلك ، وذلك الذي يشعر به اقتران قبول التوبة وقبول الصدقات هنا ليناظر قوله : (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) [التوبة : ١٠٢] وقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) [التوبة : ١٠٣] كانت جملة : (ألَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) استينافا بيانيا ناشئا عن التعليل بقوله : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [التوبة : ١٠٣] ، لأنه يثير سؤال من يسأل عن موجب اضطراب نفوسهم بعد أن تابوا ، فيكون الاستفهام تقريرا مشوبا بتعجيب من ترددهم في قبول توبتهم. والمقصود منه التذكير بأمر معلوم لأنهم جروا على حال نسيانه ، ويكون ضمير (يَعْلَمُوا) عائدا إلى الذين اعترفوا بذنوبهم.
وإن كان الذين اعترفوا بذنوبهم لم يخطر ببالهم شك في قبول توبتهم وكان قوله : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [التوبة : ١٠٣] مجرد إرشاد من الله لرسوله إلى حكمة دعائه لهم بأن دعاءه يصلح نفوسهم ويقوي إيمانهم كان الكلام عليهم قد تم عند قوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة : ١٠٣] ، وكانت جملة : (أَلَمْ يَعْلَمُوا) مستأنفة استئنافا ابتدائيا على طريقة الاستطراد لترغيب أمثال أولئك في التوبة ممن تأخروا عنها ، وكان ضمير (أَلَمْ يَعْلَمُوا) عائدا إلى ما هو معلوم من مقام التنزيل وهو الكلام على أحوال الأمة ، وكان الاستفهام إنكاريا.
ونزل جميعهم منزلة من لا يعلم قبول التوبة ، لأن حالهم حال من لا يعلم ذلك سواء