١١١] عطف إنشاء على خبر. ومما حسّنه أن المقصود من الخبر المعطوف عليه العمل به فأشبه الأمر. والمقصود من الأمر بتبشيرهم إبلاغهم فكان كلتا الجملتين مرادا منها معنيان خبريّ وإنشائي. فالمراد بالمؤمنين هم المؤمنون المعهودون من قوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [التوبة : ١١١].
والبشارة تقدمت مرارا.
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣))
استئناف نسخ به التخيير الواقع في قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] فإن في ذلك تسوية بين أن يستغفر النبي صلىاللهعليهوسلم لهم وبين أن لا يستغفر في انتفاء أهم الغرضين من الاستغفار ، وهو حصول الغفران ، فبقي للتخيير غرض آخر وهو حسن القول لمن يرى النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أهل للملاطفة لذاته أو لبعض أهله ، مثل قصة عبد الله بن عبد الله بن أبي ، فأراد الله نسخ ذلك بعد أن درّج في تلقية على عادة التشريع في غالب الأحوال. ولعل الغرض الذي لأجله أبقي التخيير في الاستغفار لهم قد ضعف ما فيه من المصلحة ورجح ما فيه من المفسدة بانقراض من هم أهل لحسن القول وغلبة الدهماء من المنافقين الذين يحسبون أن استغفار النبي صلىاللهعليهوسلم لهم يغفر لهم ذنوبهم فيصبحوا فرحين بأنهم ربحوا الصفقتين وأرضوا الفريقين ، فنهى الله النبي صلىاللهعليهوسلم. ولعل المسلمين لما سمعوا تخيير النبي في الاستغفار للمشركين ذهبوا يستغفرون لأهليهم وأصحابهم من المشركين طمعا في إيصال النفع إليهم في الآخرة فأصبح ذلك ذريعة إلى اعتقاد مساواة المشركين للمؤمنين في المغفرة فينتفي التفاضل الباعث على الرغبة في الإيمان ، فنهى الله النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين معا عن الاستغفار للمشركين بعد أن رخصه للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة في قوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠].
وروى الترمذي والنسائي عن علي قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه المشركين قال : فقلت له : أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال : أليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ، إلى قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة : ١١٤]. قال الترمذي : حديث حسن.
وقال ابن العربي في «العارضة» : هو أضعف ما روي في هذا الباب. وأما ما روي