الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨] فالذين انتدبوا وتأهبوا وخرجوا هم الذين اتبعوه ، فأما ما بعد الخروج إلى الغزو فذلك ليس هو الاتباع ولكنه الجهاد. ويدل لذلك قوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ) تزيغ (قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) أي من المهاجرين والأنصار ، فإنه متعلق ب (اتَّبَعُوهُ) أي اتبعوا أمره بعد أن خامر فريقا منهم خاطر التثاقل والقعود والمعصية بحيث يشبهون المنافقين ، فإن ذلك لا يتصور وقوعه بعد الخروج ، وهذا الزيغ لم يقع ولكنه قارب الوقوع.
و (كادَ) من أفعال المقاربة تعمل في اسمين عمل كان ، واسمها هنا ضمير شأن مقدر ، وخبرها هو جملة الخبر عن ضمير الشأن ، وإنما جعل اسمها هنا ضمير شأن لتهويل شأنهم حين أشرفوا على الزيغ.
وقرأ الجمهور تزيغ بالمثناة الفوقية. وقرأه حمزة ، وحفص عن عاصم ، وخلف بالمثناة التحتية. وهما وجهان في الفعل المسند لجمع تكسير ظاهر. والزيغ : الميل عن الطريق المقصود. وتقدم عند قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) في سورة آل عمران [٨].
وجملة ؛ (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) عطف على جملة (لَقَدْ تابَ اللهُ) أي تاب على غير هذا الفريق مطلقا ، وتاب على هذا الفريق بعد ما كادت قلوبهم تزيغ ، فتكون (ثُمَ) على أصلها من المهلة. وذلك كقوله في نظير هذه الآية (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨]. والمعنى تاب عليهم فأهموا به وخرجوا فلقوا المشقة والعسر ، فالضمير في قوله (عَلَيْهِمْ) لل (فَرِيقٍ). وجوز كثير من المفسرين أن تكون (ثُمَ) للترتيب في الذكر ، والجملة بعدها توكيدا لجملة (تابَ اللهُ) ، فالضمير للمهاجرين والأنصار كلهم.
وجملة : (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) تعليل لما قبلها على التفسيرين.
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨))
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ) معطوف على النبي [التوبة : ١١٧] بإعادة حرف الجر لبعد المعطوف عليه ، أي وتاب على الثلاثة الذين خلفوا. وهؤلاء فريق له حالة خاصة من بين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك غير الذين ذكروا في قوله : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ) [التوبة: ٨١] الآية ، والذين ذكروا في قوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) [التوبة : ٩٠] الآية.