وأن (أجر) مفعول مطلق.
وفي ذكر (كانُوا) والإتيان بخبرها مضارعا إفادة أن مثل هذا العمل كان ديدنهم.
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢))
كان غالب ما تقدم من هذه السورة تحريضا على الجهاد وتنديدا على المقصرين في شأنه ، وانتهى الكلام قبل هذا بتبرئة أهل المدينة والذين حولهم من التخلف عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فلا جرم كانت قوة الكلام مؤذنة بوجوب تمحض المسلمين للغزو. وإذ قد كان من مقاصد الإسلام بث علومه وآدابه بين الأمة وتكوين جماعات قائمة بعلم الدين وتثقيف أذهان المسلمين كي تصلح سياسة الأمة على ما قصده الدين منها ، من أجل ذلك عقب التحريض على الجهاد بما يبين أن ليس من المصلحة تمحض المسلمين كلهم لأن يكونوا غزاة أو جندا ، وأن ليس حظ القائم بواجب التعليم دون حظ الغازي في سبيل الله من حيث إن كليهما يقوم بعمل لتأييد الدين ، فهذا يؤيده بتوسع سلطانه وتكثير أتباعه ، والآخر يؤيده بتثبيت ذلك السلطان وإعداده لأن يصدر عنه ما يضمن انتظام أمره وطول دوامه ، فإن اتساع الفتوح وبسالة الأمة لا يكفيان لاستبقاء سلطانها إذا هي خلت من جماعة صالحة من العلماء والسّاسة وأولي الرأي المهتمين بتدبير ذلك السلطان ، ولذلك لم يثبت ملك اللمتونيين في الأندلس إلا قليلا حتى تقلص ، ولم تثبت دولة التتار إلا بعد أن امتزجوا بعلماء المدن التي فتحوها ووكلوا أمر الدولة إليهم.
وإذ قد كانت الآية السابقة قد حرضت فريقا من المسلمين على الالتفاف حول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الغزو لمصلحة نشر الإسلام ناسب أن يذكر عقبها نفر فريق من المؤمنين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للتفقه في الدين ليكونوا مرشدين لأقوامهم الذين دخلوا في الإسلام.
ومن محاسن هذا البيان أن قابل صيغة التحريض على الغزو بمثلها في التحريض على العلم إذ افتتحت صيغة تحريض الغزو بلام الجحود في قوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) [التوبة : ١٢٠] الآية وافتتحت صيغة التحريض على العلم والتفقه بمثل ذلك إذ يقول : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً).
وهذه الجملة معطوفة على مجموع الكلام الذي قبلها فهي جملة ابتدائية مستأنفة لغرض جديد ناشئ عن قوله : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا) [التوبة : ٣٨] ثم عن قوله : (ما