وجملة : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) بيان لجملة (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) لأن النظر تفاهموا به فيما هو سرّ بينهم ؛ فلما كان النظر نظر تفاهم صح بيان جملته بما يدل على الاستفهام التعجيبي ، ففي هذا النظم إيجاز حذف بديع دلت عليه القرينة. والتقدير : وإذا ما أنزلت سورة فيها فضيحة أمرهم نظر بعضهم إلى بعض بخائنة الأعين مستفهمين متعجبين من اطلاع النبي صلىاللهعليهوسلم على أسرارهم ، أي هل يراكم من أحد إذا خلوتم ودبرتم أموركم ، لأنهم بكفرهم لا يعتقدون أن الله أطلع نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ على دخيلة أمرهم.
وزيادة جملة : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) لإفادة أنهم لم يكتسبوا من نزول السورة التي أطلعت المؤمنين على أسرارهم عبرة ولا قربا من الإيمان ، بل كان قصارى أمرهم التعجب والشك في أن يكون قد اطلع عليهم من يبوح بأسرارهم ثم انصرفوا كأن لم تكن عبرة. وهذا من جملة الفتن التي تحل بهم ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
وجملة : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأن ما أفاده قوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) من عدم انتفاعهم بما في تلك السورة من الإخبار بالمغيبات الدال على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم يثير سؤال من يسأل عن سبب عدم انتفاعهم بذلك واهتدائهم ، فيجاب بأن الله صرف قلوبهم عن الفهم بأمر تكويني فحرموا الانتفاع بأبلغ واعظ. وكان ذلك عقابا لهم بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ، أي لا يفهمون الدلائل ، بمعنى لا يتطلبون الهدى بالتدبر فيفهموا.
وجعل جماعة من المفسرين قوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) دعاء عليهم ، ولا داعي إليه لأن دعاء الله على مخلوقاته تكوين كما تقدم ، ولأنه يأباه تسبيبه بقوله : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).
وقد أعرض المفسرون عن تفسير هذه الآية تفسيرا يبين استفادة معانيها من نظم الكلام فأتوا بكلام يخاله الناظر إكراها لها على المعنى المراد وتقديرات لا ينثلج لها الفؤاد.
[١٢٨ ، ١٢٩] (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))
كانت هذه السورة سورة شدة وغلظة على المشركين وأهل الكتاب والمنافقين من