(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً).
و (كَيْفَ) هذه مؤكدة ل (كَيْفَ) [التوبة : ٧] التي في الآية قبلها ، فهي معترضة بين الجملتين وجملة : (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) إلخ يجوز أن تكون جملة حالية ، والواو للحال ويجوز أن يكون معطوفة على جملة (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) [التوبة : ٧] إخبارا عن دخائلهم.
وفي إعادة الاستفهام إشعار بأنّ جملة الحال لها مزيد تعلّق بتوجّه الإنكار على دوام العهد للمشركين ، حتّى كأنّها مستقلّة بالإنكار ، لا مجرّد قيد للأمر الذي توجّه إليه الإنكار ابتداء ، فيؤول المعنى الحاصل من هذا النظم إلى إنكار دوام العهد مع المشركين في ذاته ، ابتداء ، لأنّهم ليسوا أهلا لذلك ، وإلى إنكار دوامه بالخصوص في هذه الحالة. وهي حالة ما يبطنونه من نية الغدر إن ظهروا على المسلمين ، ممّا قامت عليه القرائن والأمارات ، كما فعلت هوازن عقب فتح مكة. فجملة : (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) معطوفة على جملة (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) [التوبة : ٧].
وضمير (يَظْهَرُوا) عائد إلى المشركين في قوله : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ) [التوبة : ٧] ومعنى (وَإِنْ يَظْهَرُوا) إن ينتصروا. وتقدّم بيان هذا الفعل آنفا عند قوله تعالى : (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) [التوبة : ٤]. والمعنى : لو انتصر المشركون ، بعد ضعفهم ، وبعد أن جرّبوا من العهد معكم أنّه كان سببا في قوتكم ، لنقضوا العهد. وضمير (عَلَيْكُمْ) خطاب للمؤمنين.
ومعنى (لا يَرْقُبُوا) لا يوفوا ولا يراعوا ، يقال : رقب الشيء ، إذا نظر إليه نظر تعهّد ومراعاة ، ومنه سمّي الرقيب ، وسمّي المرقب مكان الحراسة ، وقد أطلق هنا على المراعاة والوفاء بالعهد ، لأنّ من أبطل العمل بشيء فكأنّه لم يره وصرف نظره عنه.
والإلّ : الحلف والعهد ؛ ويطلق الإلّ على النسب والقرابة. وقد كانت بين المشركين وبين المسلمين أنساب وقرابات ، فيصحّ أن يراد هنا كلا معنييه.
والذمّة ما يمتّ به من الأواصر من صحبة وخلة وجوار ممّا يجب في المروءة أن يحفظ ويحمى ، يقال : في ذمّتي كذا ، أي ألتزم به وأحفظه.
(يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ).